تفسير الم الحروف المقطعة

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير (ا ل م) الم

تعددت الأقوال في تفسير الحروف المقطعة فمنهم من ذهب إلى أنها من أسماء الله -تعالى-، ومنهم من قال هي أسماء السور وآخرون ردوا علمها إلى الله -تعالى-، وراح بعضهم يجمع فواتح السور التي نزلت بها الحروف المقطعة في بدايتها وعددها أربعة عشر حرفا بعد حذف المكرر منها وهي (ا ل م ص ر ك ي ع ط س ح ق ن) فيركب منها كلمات ويرتبها على نحو جمل مثل هذه الجملة- 
-وهي: نص حكيم قاطع له سر.

ولكن لو أتينا نتمعن في (الم) لوجدناها آية من آيات الله -تعالى- ولها رقمها الفاصل بين الآية التي تليها ولما عرفنا أنها آية بحد ذاتها أصبح بحول الله وقوته من اليسير فهمها لأننا سنتعامل معها على أنها آية وليست مجرد حروف قد تبدوا للبعض ملفوفة بثوب من الغموض،


فعندما يسمع المرء كلمة آية يتبادر إلى ذهنه مباشرة الشيء الذي اختصه الله -تعالى- لنفسه إذ أن الآية هي ما أوجده الله -تعالى- وخلقه وصنعه وقدر عليه وعجز عنه جميع خلقه مثل الشمس والقمر والليل والنهار والنجوم والسماوات السبع وما أوحى الله تعالى لهم بمعنى أنه سبحانه نظمهم ورتبهم وقدر حركتهم وأوقاتهم وما إلى ذلك، فهل سمعت يوما أن مخلوقا أتى بالشمس من مغربها بدل مشرقها أو أنه حبس النهار على الليل أو نصب على الأرض جبلا مثل جبل أحد لا طبعا هذا أمر مستحيل ولا يقدر عليه إلا الله -تعالى- وحده،

  وبالتالي فإننا نعيش على هذه الأرض الجميلة فهي آية من آيات الله -تعالى- لأنه هو خالقها وإذا نظرنا حولنا رأينا الأشجار والجبال والوديان والأنهار وما على الأرض من حب وأب أخضر جميل وأشجار وفاكهة وثمار وإن نظرنا إلى السماء رأينا الشمس حتى يذهبها الله -تعالى- ويأتي بالليل فيجعله يظلم على العباد بلطف وسلاسة هل سمعت أن الليل أظلم على النهار فجأة لا بل يولجه الله تعالى على النهار ويسلخ النهار منه فإن جنى علينا الليل رأينا السماء مكتظة بالنجوم وقد حجب نور القمر بعضها، والكثير الكثير من آيات الله -تعالى-،

بقي شيء واحد فقط وهو هذا المخلوق الصغير الذي بالكاد قد يتساوى حجمه مع حجم الهر أو القطة نسبة إلى كبر حجم السماوات السبع، والذي يعيش على هذه الأرض ويأكل مما رزقه الله -تعالى- وهو الإنسان الذي ينطق ويتلفظ بالألف واللام والميم وغيرها من الحروف، فمن الذي أنطقه؟ وهل أنطقه إلا الله -تعالى- فخلقه وجعله يتكلم فيلفظ الالف واللام والميم والنون والسين وغيرها من الحروف
وقال تعالى:
(8)   أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ.
(9)   وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ.
[سورة البلد].

فالإنسان ما كان لينطق لو لا أن أنطقه الله -تعالى- وجعله يتلفظ بهذه الحروف وغيرها فخلق له عقلا يحفظ الحروف ويرتبها على حسب الكلمة ومعناها ورئتين يستعين بهما لدفع الهواء حتى يمر من الحنجرة ولسانا وشفتين يعزف بهما لحن الحرف ويترنم نغمته، قد يبدوا الأمر عادي للجاهل هذا لأنه نظر بشكل سطحي ولكننا لو تأملنا في وظيفة النطق لدى الإنسان لوجدناها أمرا في غاية التعقيد إذ أنها تحتاج للكثير من السيالات العصبية المتقاطعة ما بين الدماغ والأعضاء المطلوبة والمترابطة معها، وضف إلى ذلك فقد احتاج الإنسان إلى الكثير من الوقت والجهد حتى أصبح ناطقا، فلما ولد الإنسان وأتى إلى هذه الدنيا كان طفلا لا يعلم شيء، 
وقال تعالى:
(67)   هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ ۖ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.
[سورة غافر].

وقال أيضا:
( 78 )   وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.

[سورة النحل].

وسخر الله -تعالى- له من يعلمه ويرعاه ويصبر عليه ويصحح له أخطائه، ام حسب الإنسان نفسه أنه أتى إلى الحياة وهو ناطق متكلم لا بل احتاج إلى ما لا يقل عن سنتين فما فوق حتى قدره الله -تعالى- ومكنه من نطق الحروف والتكلم بها.

ولذلك فإن (الم) وغيرها من الحروف المقطعة والتي هي فواتح بعض السورة في كتاب الله -تعالى- إنما هي آيات بينات مثلها مثل آيتي الليل والنهار والشمس والقمر وما كان للإنسان أن ينطق حرفا واحد لو لا أن أنطقه الله -تعالى- وما كان له أن يكتب حرفا ولا يقرأه لو لا أراد الله -تعالى- ذلك، حتى إن الإنسان لا يمكنه التعامل مع أفكاره وقراءتها إلا بحضور تلك الحروف في عقله.

والفارق بين الإنسان الناطق والإنسان الأكمه الذي لا ينطق كالفرق بين الأعمى والبصير، وليس للأكمه قدرة النطق والتحدث هذا لأن الله -تعالى- لم يجعله ينطق.

وها هو نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام يدعو الله -تعالى- فيطلب منه أن يحل له عقدة من لسانه، في قوله تعالى:
(27)   وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي.
(28)   يَفْقَهُوا قَوْلِي.
[سورة طه].
وقال أيضا:
( 13 )   وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ.
[سورة الشعراء].
وقال ابن كثير:
وقال ابن عباس: شكا موسى إلى ربه ما يتخوف من آل فرعون في القتيل، وعقدة لسانه، فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام، وسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون يكون له ردءا ويتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به لسانه، فآتاه سؤله، فحل عقدة من لسانه...//انتهى//..

فآية (الم) وغيرها من الحروف المقطعة هي ما تباهى الله -تعالى- بنفسه بأنه خلق الإنسان وأنطقه الحروف فجعله يتكلم بها الكلمات والجمل، وأنه سيحاسب ويسأل عباده عن كل حرف خرج من فم متكلم تحدث به بما لا يرضيه أو يغضبه 
وقال -تعالى-:
(18)   مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ.
[سورة ق].

فاحذر أيها الإنسان واتقي الله -تعالى- الذي أنطقك في كل حرف تتلفظ به بما لا يرضي الله -تعالى- فلقد كلفت هذه الحروف التي قد تكون بالنسبة لك على أنها شيء عادي أو اعتيادي مألوف فلقد كلفت الكثير إذا ما وزناها بما يليق بنا ويناسب وفي نفس الوقت كان ذلك على الله -تعالى- هينا ويسيرا.
وقال تعالى:
(108)   يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا.
[سورة النساء].


وأخيرا والأهم من هذا كله أن الله -تعالى- كلمنا وخاطبنا بكلمات القرآن الكريم المركبة من الحروف والتي أنزلها على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

تم بحول الله وقوته وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آل بيته وصحبه وسلم تسلميا كثيرا.

انتقل إلى الآية التي بعدها تفسير قوله تعالى: ذلك الكتاب لا ريب فيه.


Share on Google Plus

About Abd ElRahman

لا إله إلا الله محمد رسول الله
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.