قصة قارون بالتفصيل

بدأت القصة عندما كان موسى عليه الصلاة والسلام يتمشى في بهو القصر الفرعوني، حيث أن خطواته في الساحة الفرعونية، لم تكن كأي خطوات، كذلك حضوره في البلاط الفرعون، كان وكأن نورا مشرقا قد سطع فتلألئ له المكان، فرسول الله -تعالى- موسى عليه السلام كان محبوبا من آل فرعون بشكل كبير، فآل فرعون يحبون موسى محبة عجيبة، وذلك قول الله -تعالى-: ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي)-29 سورة طه.

وفي ذلك الوقت كان ثمة شخص يقف جانبا ويراقب تلك المحبة المحيطة بنبي الله -تعالى- موسى عليه السلام، كان يراها، كأنها وروداً عطرةً تتساقط من السماء فتلف بموسى عليه السلام.
وسرعان ما بدأت بذور الغيرة تُزرع في صدره من نبي الله موسى عليه السلام، فراح يسأل نفسه لما لا يحظى هو مثلما يحظى به موسى من حب واحترام، وكان ذلك الشخص قارون اللعين والذي كان عاملا لدى فرعون في بلاطه.



فعلى الرغم من أن قارون كان ابن عم موسى، لم تشفع صلة القرابة لأن يُشفى قلبه وصدره من تلك الغيرة، التي كان قارون اللعين يكنها لموسى عليه السلام، ثم سرعان ما انبثق الحسد والحقد من تلك الغيرة، حتى صارت عداوة بغيضة، أكنها قارون لموسى عليه السلام.

ولم يستطع قارون الصبر إلا أنه راح يفضل نفسه ويرفعها على موسى، حيث أن قارون كان قد رزقه الله -تعالى- من الأموال ما لم يستطع أحد إحصاءه، وقال الله -تعالى-:
( 76 )   ۞ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ.
سورة القصص.

فلطالما كانت ثروة قارون الهائلة، والتي آتاه الله -تعالى- إياها، المحراك الذي كان قارون يحرك به الشر إرضاءً لغروره ورغباته البغيضة.

ف قارون لم يكن يُكن العداوة والبغضاء لموسى فقط، إنما لجميع بني إسرائيل، فأثناءما كان بني إسرائيل فقراء أذلة قد استضعفهم آل فرعون، كان قارون ينظر إليهم باستحقار واستكبار، كما أنه كان دائما يقف في صف فرعون في عدائه لبني إسرائيل، على الرغم من أنه كان من قوم موسى أي من بني إسرائيل وتحديدا السبط الذي ينحدر منه موسى وهو سبط لاواي.

ولما حصل بأن قتل موسى رجلا من الفراعنة عن طريق الخطأ، وقف قارون اللعين في صف آل فرعون ضد موسى عليه السلام، فهو يكره موسى ويكن له العداوة والبغضاء، ومن جهة أخرى خوفا منه على ثروته الهائلة من آل فرعون، على اعتبار أنهم يعلمون بصلة القرابة التي تربط موسى بقارون، وذلك لكي لا يدع قارون لآل فرعون بأن يتخذوا من موسى ذريعةً يستبيحون بها كنوز قارون وثروته الفاحشة.

ولما نادى الله -تعالى- موسى عليه السلام وكلمه ثم أعطاه المعجزات وكلفه بالرسالة والذهاب إلى فرعون، من أجل إبلاغه ما أمر الله -تعالى- به، وعندما وصل موسى عليه السلام إلى مجلس فرعون، نفذ ما أمره الله -تعالى- به، فدعى فرعون إلى عبادة الله -تعالى- وحده، بالإضافة إلى أنه طلب منه أن يطلق بني إسرائيل ويسمح لهم بالخروج من أرض مصر، كما أن موسى كان قد أرى فرعون من آيات الله -تعالى- وهي العصا واليد.

ولكن فرعون قد أبى وجحد بآيات الله -تعالى-، وفي تلك الأثناء كان قارون حاضرا في مجلس فرعون، ولكن هذه المرة قد اشتد الغيظ والبغضاء في قلبه من موسى عليه السلام أكثر مما كان من قبل، فقد أصبح الآن موسى عليه السلام رسولا مرسلا من الله -تعالى-، وعلى اعتبار أن قارون كان من قوم موسى، فإنه يعرف جيدا ما معنى أن يكون موسى رسولا، فهذا يعني أن موسى أصبح هو القائد الفعلي لبني إسرائيل، بينما كان قارون يعتبر نفسه أنه كبير بني إسرائيل، على الرغم من استحقاره لهم وتعاليه عليهم.

إضاقة إلى ذلك فإن استكبار قارون وغيظه من موسى عليه السلام كان قد حال بينه وبين الإيمان بالله -تعالى- وتصديق موسى، رغم ما أظهر موسى من معجزات قد أيده الله -تعالى- بها، إلا أنه قرر (أي قارون) بأن يقف في صف آل فرعون مؤيدا لهم ويعلن معهم الحرب على موسى عليه السلام.

وعلى الفور انخرط في مجلسهم وراح يردد أقوالهم ومزاعمهم التي رموا بها رسول الله -تعالى- موسى، إذ رموه بالسحر، فمن ناحية يشفي غيظه من موسى، ومن ناحية أخرى لم يجد الإيمان طريقا إلى قلبه، فقارون كان على دين فرعون مصدقا به مطيعا له.

وما كان من قارون إلا أنه ساهم في حملة فرعون لجمع السحرة من أنحاء البلاد، فمولها ماليا. وبذلك أثبت ولائه التام لآل فرعون.
حتى إذا كان من يوم الزينة وهو الموعد الذي حدده موسى عليه السلام، من أجل التحدي الذي دار بينه وبين فرعون بشأن معجزة العصا التي تتحول إلى ثعبان بأمر الله -تعالى-.
 ولما اجتمع الناس في وقت الضحى، كان قارون قريبا من فرعون يقف ويراقب عن كثب، وينتظر حدوث ما يتمناه، وهو أن تكون الغلبة للسحرة وانهزام موسى وأخيه هارون أمامهم. فلما ألقا السحرة عصيهم، بدت وكأنها تسعى، فغمرت السعادة قلب قارون، وأحس بأن ما يتمناه على وشك أن يقع.

ولكن حدث ما لم يكن بالحسبان، فبعدما ألقى موسى عصاه، تحولت إلى ثعبان ضخم وراحت تأكل أدوات السحرة من العصي والحبال.
فاستعر الحسد والبغضاء في قلب قارون، كأنه بركان من الغيظ المملوء بغضا وكرها، وما زاده حسدا، هو أن السحرة وقع السحرة على وجوههم وخروا سجدا لله العلي الكبير وقالوا بصوت عالي: آمنا برب موسى وهارون.

فأغاظ ذلك قارون ثم راح فلم يجد بدا إلا الاستمرار في حربه على موسى وهارون عليهما السلام.

ولما حصل بأن ضرب الله -تعالى- مصر بالضربات السبع المتبقية، كان قارون يبث سمه بين طياتها في مجلس فرعون وملأه، ويردد ما كان فرعون يقوله بأن موسى عليه السلام ليس سوى ساحر لا أكثر.

إلى أن وصل الخبر إلى قارون بأن الله -تعالى- أمر موسى بأن يخرج ببني إسرائيل من أرض مصر، فقرر قارون عند ذلك الإلتحاق ببني إسرائيل والخروج معهم، وذلك من أجل تنفيذ مخططاته، وهي انتزاع مقاليد الأمور من موسى وهارون بغية حكم بني إسرائيل، وظن أنه بثروته وأمواله يستطيع ذلك.

ثم التحق قارون بموكب بني إسرائيل الذي يقوده رسول الله -تعالى- موسى، وكان موسى وأخاه هارون آنذاك مازالوا لا يعلمون بكبر العداوة التي يكنها لهما قارون.

ثم أمر قارون عماله بجمع عدد كبير من البغال والمواشي، لكي تحمل كنوزه الهائلة، وحصل ذلك فعلا.

وحالما وصل قارون إلى موكب بني إسرائيل، فرح به موسى كثيرا ظناً منه بأن قارون قد آمن برسالته وصدقها، ولكن عدو الله -تعالى- كان قد أضمر الكفر في قلبه، فاتبع سبل المنافقين.

وفي الطريق لمح قارون شخصا يعرفه جيدا، فلطالما التقى به في معبد فرعون، إنه السامري اللعين والذي سيُضل اليهود فيما بعد ويصنع له العجل الذهبي، من أجل أن يعبدوه.

فقرر قارون الابتعاد عن السامري، نظرا لما يعلمه عنه من خداع ونفاق، بالإضافة لكي لا يفتضح أمر قارون فهو لا يزال على دين فرعون وأفكاره ومعتقداته، وما خرج مع موسى إلا من أجل أن يحقق ما يكبر في قلبه من شر.
واستمر قارون على ما هو  عليه إلى أن حان الموعد الذي وعده الله -تعالى- لموسى، من أجل أن يكلمه ويعطيه ألواح التوراة، والتي قد كتبها الله -تعالى- بيده.

ثم ذهب موسى عليه السلام واستأمن على القوم أخاه هارون عليه السلام، ثم حدثت الواقعة اللعينة حيث صنع السامري العجل ودعا بني إسرائيل لعبادته، فاستجابوا له على الفور، حتى أنهم لم يحققوا في مدا صحة ذاك الإدعاء ولا بأي شكل، فعبدوه من فورهم، بينما تنحى قارون جانبا ذلك أنه يعرف السامري ويعلم خداعه، كما أنهما قد تخرجا من نفس  المدرسة كلاهما مجبولين على الضلال.

إلى أن عاد موسى عليه السلام وهو في قمة الغضب، فكسر ألواح التوراة عندها وأخذ برأس أخيه حتى كاد يقتله، ثم عاقب الضالين من بني إسرائيل وأمرهم بأن يقتلوا أنفسه عسى أن يغفر الله -تعالى- لهم.

وبعد حادثة عبادة العجل بمدة، اعتقد قارون بأن الوقت قد حان، من أجل تنفيذ مخططاته القذرة، وهي انتزاع مقاليد الأمور من نبي الله -تعالى- موسى، وبذلك سيحكم بني إسرائيل، وبذلك فإنه سيعود ويشكل فرعونا جديدا، إنه هو نعم قارون الذي يملك الكنوز الطائلة ولكن ما ينقصه هو السلطة، فهو أحوج ما يكون للسلطة حتى ينبثق منه فرعوناً لعيناً آخر. وها هي الفرصة قد أتت إليه، ولم يبقى أمامه سوى انتزاع الأمر من موسى وأخاه والشيوخ الذين معه.

وعندما استقر الأمر ببني إسرائيل بعض الشيء في أيام التيه، أمر قارون عماله ببناء دار له بحيث تكون أقرب ما يمكن للقصر، وحصل ذلك فعلا وبنى عمال قارون له داراً عظيمةً. وكانت تلك الدار التي بُنيت أول ما أوقع في نفس بني إسرائيل الأوهام وحب المال، فجميع الناس يسكنون في بيوت وخيام تعيسة، إلا قارون وحده يسكن في دار عظيمة كانت الفخامة قد بدت عليها.

ثم بدأ قارون يخرج بين الناس بأفخم الثياب المصنوعة من أفخر الأخمشة، بأبهى حلته يمشي الخيلاء بين الناس متباهيا بما يملك من جوار وغلمان وخدم وحشم وخيول وما إلى ذلك..
بينما كان الناس من بني إسرائيل في ذلك الوقت يلبسون ثيابا ممزقة مرتوقة وينتعلون أحذية بالية مهترئة، ولعل موسى عليه السلام كان واحد منهم.

ثم بدأت الناس تلحظ حال قارون اللعين وما به من غنى، فوقعت الأمنيات في قلوبهم بأن يكون لديهم مثله.
ثم بدأ قارون يبث سمومه بين الناس بغية تنفيذ مخططاته، فاتبع نفس اسلوب فرعون في حربه على موسى عليه السلام، ثم راح يشيع بين الناس بأن موسى ليس إلا ساحرا، وبدأ بعض ضعاف النفوس ممن يتمنون أن يكونوا أغنياء مثله، أولائك الذين وقعوا في الشرك الذي نصبه قارون لهم، بأن سحرهم بزينته اللامعة وأمواله الطائلة وداره العظيمة.
 فبدؤوا بالسماع له والإنصياع لما يقول، ثم بدأ الأمر يشكل الخطر على موسى وهارون عليهما السلام والشيوخ الذين معهما.

وبينما كان قارون يذهب في تنفيذ خطته، ويخرج على قومه متباهيا بزينته، كان المؤمنين من بني إسرائيل يعظونه ويقولون له: بأن الله -تعالى- قد أغدق عليك من فضله وجود كرمه بالكنوز والثروة، ولو أنك تصدقت منها وابتغيت بذلك وجه الله -تعالى- لكسبت رضوانه ولأعطاك أعظم من ذلك في الحياة الآخرة. ولكن قارون كان يأبى ويستكبر، ف قارون منافق بالأساس، فكيف له أن يسمع للمؤمنين الذين يعظونه ويتصدق من ماله بغية إرضاء الله -تعالى-، لذلك فإنه كان دائما ما يجيبهم بأن تلك الثروة الهائلة إنما حصل عليها هو وحده بذكائه وعلمه وليس لأحد الفضل عليه.

وحصل ذات مرة بأن موسى عليه السلام كان قد جمع حوله بعض الناس، لكي يعلمهم التوراة والشريعة التي فيها، فمر به قارون وهو في أبهى حلته ومعه عماله وحاشيته ويتبعه بعض ضعاف النفوس، ثم شق على موسى حديثه، وطالبه بأن يخلي له المكان ليكون هو كبير شيوخ بني إسرائيل والمرجع الأول لهم. باختصار طالبه بالسلطة أي أنه يريد أن يحكم اليهود.

فغضب موسى عليه السلام أيما غضب، ليس فقط لأن قارون طالبه بذلك، إنما أيضا لأن بعض ضعاف النفوس من بني إسرائيل كانوا قد سمعوا لقارون الذي سحرهم بماله وفتمنه.

ثم خرا موسى من فوره على وجهه ساجدا لله يشكو له ما آلت إليه الأمور، فأوحى الله -تعالى- له ما أوحاه.

وحصل بأن استدرج موسى عليه السلام قارون في حواره إلى المباهلة، واتفق الإثنان على أن يدعو كل منهما الله -تعالى-، والذي يستجيب له الله -تعالى-، فإن الأمر يؤول له. على الرغم من أن قارون كان كافر غير مؤمن، ولكن الله -تعالى- أشد من قارون كيدا ومكرا، لذلك استُدرج قارون إلى حيث لا يعلم ما الذي سيحل به من عذاب ولعنة تصيبه، والتي سيؤدب الله -تعالى- بها بني إسرائيل والذين من يأتون من بعدهم.

وما إن وقعت المباهلة بين موسى عليه السلام وقارون، حتى أتى الأمر من عند الله -تعالى- فانشقت الأرض وحدثت فجوة عظيمة وابتلعت قارون وداره وجميع ممتلكاته، ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل أرسل الله -تعالى- صاعقة من السماء فأحرقت كل من اتبع قارون وسمع له، ولكن شاء الله -تعالى- برحمته بأن يعفو عمن كان يتمنى أن يكون مثل قارون في الغنى والمال، فعفى عنهم وترك لهم طريق التوبة سالكا، فتابوا وعادوا إلى رشدهم.



تم بفضل الله -تعالى-.


Share on Google Plus

About Abd ElRahman

لا إله إلا الله محمد رسول الله
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.