تفنيد شبهة تعارض الآيات في سورة البقرة و سورة النازعات
بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على سيد المرسيلن أما بعد :تفنيد شبهة الاختلاف بين خلق السماوات و الارض و اثبات عدم وجود التعارض و الاختلاف بين الآيات التي في سورة النازعات و التي قد تبد لقارئها أن السماء كانت لها أسبقية الخلق على الأرض ، و بين آية سورة البقرة و التي تقول بتقدم خلق الأرض على السماء ، كل هذا سنفنده آيةً أية ، و ندحض الشبهة الواهية . تابع
وقبل أن نبدئ في الرد دعني أعطيك من الآخر، ما لو أننا قلناه للملحد، لخرس وأغلق فمه من فوره.
حيث أنه لم يرد في القرآن الكريم، كما يزعمون بأن الأرض كانت قد خلقت قبل السماء ولا العكس. بل إن ما أشار القرآن الكريم إليه، هو أنهما الإثنتين كانتا قد خلقتا معا، وذلك في قوله -تعالى-:
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)
سورة الأنبياء.
هذا يعني أنهما أي الأرض والسماء كانتا أو أنهما خلقتا في وقت واحد.
والآن دعنا نأتي على الرد وبدايتنا ستكون مع الآيات في سورة النازعات و هي قوله تعالى :
{أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ۚ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29)وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32)-سورة النازعات}
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ۚ بَنَاهَا (27)
يقول تعالى محتجا على منكري البعث في إعادة الخلق بعد بدئه : ( أأنتم ) أيها الناس ( أشد خلقا أم السماء ) ؟ يعني : بل السماء أشد خلقا منكم ، كما قال تعالى : ( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ) [ غافر : 57 ] ، وقال : ( أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم ) [ يس : 81 ] ، فقوله : ( بناها ) فسره بقوله : ( رفع سمكها فسواها )
و قال القرطبي مثل قول ابن كثير :
قوله تعالى : أأنتم أشد خلقا يريد أهل مكة ، أي أخلقكم بعد الموت أشد في تقديركم أم السماء ؟ ! فمن قدر على السماء قدر على الإعادة ; كقوله تعالى : لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس وقوله تعالى : أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ، فمعنى الكلام التقريع والتوبيخ . ثم وصف السماء فقال : بناها أي رفعها فوقكم كالبناء .
-- اذا فالآية هنا تتحدث عن الأشد خلقا من الإنسان و هي السماء بسمكها و يأتي بعد ذلك الأرض بدحوها ثم الجبال التي أرساها الله تعالى . و ما يؤيد هذا القول هو قوله تعالى: ( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ) [ غافر : 57 ]
و لو أننا تأملنا الآيات جيدا على هذا الترتيب فهو وحده كافٍ لدحض الشبهة و نسفها فالترتيب هنا يتحدث عن قضية الأشد خلق و ليس الأسبق بالخلق ، هذه نقطة هامة و هي بحد ذاتها سيفا ذو حدين بوجه المتفلسفين و المنطقين و من كان على شاكلتهم .
--نأتي الى النقطة الثانية و هي هامة جدا و اريدك أخي في الله أن تتأمل قوله تعالى : {...أَمِ السَّمَاءُ ۚ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29)} و الذي أطلبه منك أخي القارئ هل تلاحظ ذكر سبع سماوات أو كلمة سماوات هل تستطيع أن تستنبط هذا ، بالتأكيد لا و كذلك كبار و حذاق التفسير لم يأتوا الى استنباط السماوات السبع و أنا قمت بمراجعة معظم كتب التفسير المتعمدة و المشهورة فلم أجد في طريقي إلا الحافظ ابن عاشور رحمه الله قال :
و { السماء } يجوز أن يراد به الجنس وتعريفه تعريف الجنس ، أي السماوات وهي محجوبة
و هنا نرى أن ابن عاشور قال يجوز و قوله يجوز يعني محمول على الاحتمال .
تذكر هذه النقطة جيدا لأننا سنأتي عى ذكرها فيما بعد ..
--و صلنا الى قوله تعالى : وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31)
لو تأملت القول جيدا لعلمت أن ذكر الأرض بدحوها لا يعني ذكرها بخلقها أو بداية خلقها
قال ابن عباس : ( دحاها ) ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى ، وشقق [ فيها ] الأنهار ، وجعل فيها الجبال والرمال والسبل والآكام ، فذلك قوله : ( والأرض بعد ذلك دحاها ) .
و قال الحافظ ابن كثير : وقوله : ( والأرض بعد ذلك دحاها ) فسره بقوله : ( أخرج منها ماءها ومرعاها )....
ومعنى الدَّحْو والدَّحْيُ يقال : دحَوْت ودحيت . واقتصر الجوهري على الواوي وهو الجاري في كلام المفسرين هو : البسط والمدّ بتسوية .
و السؤال الذي يطرح نفسه ، كيف سيدحو الأرض إن لم تخلق من قبل و كيف سيخرج الماء و المرعى أن لم يكن خلق من قبل؟ فقوله تعالى : (و الأرض بعد ذلك دحاها) فيه دلالة على أنها خلقت بالتزامن مع خلق السماء أو متزامنة مع رفع سمك السماء و الله وحده أعلم بذلك .
--و الآن و بعد أن شرحنا الآيات و فهمنها سنأتي الى شرح الآية من سورة البقرة و ستكون ايسر علينا إنشاء الله و سنعرف كم هي متوافقة مع الآيات في سورة النازعات .
قال تعالى : {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(29)-البقرة}
سنقوم بعمل مقارنة بين آيات النازعات و آية البقرة لنوضح بشكل أكبر تابع
قوله تعالى في البقرة (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ) يقابله و يتوافق معه قوله تعالى في النازعات (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31)
و قوله تعالى في البقرة (ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ) يقابله و يتوافق معه قوله تعالى في النازعات ( أَمِ السَّمَاءُ ۚ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29)}
بمعنى أن السماء التي استوى اليها الخالق العظيم و التي كانت سماء واحدة مرفوعة السمك في سورة النازعات هي نفسها التي استوى اليها الخالق سبحانه في البقرة فقال: (ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ)
ثم أن الله سبحانه و تعالى خلق من السماء الواحدة سبع سماوات بقوله :(فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ )
كيف سنؤكد هذا القول :
سنؤكد هذا من القرآن الكريم
أولا قوله تعالى استوى الى السماء يؤكد أن السماء كانت قد خلقت بمعنى أن الله سبحانه و تعالى خلقها ثم استوى اليها فالله تعالى لم يستوي الى سماء ثم يسميها باسمها و يأمرها بأن تأتي ثم لا تكون السماء موجودة لا هذا محال و قوله في سورة فصلت يؤكد أنها كانت موجودة قال تعالى :
ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ(11)-فصلت
و كما نلاحظ بأن السماء و الأرض كلاهما كان موجود و مخلوق و ان كانت السماء على شكل دخان فهذا لا يعني بأنها لم تكن مرفوعة السمك و لها ليل و ضحى بل على العكس تماما فالضوء المشع في الدخان ستكون نتيجته ضحى و سنأتي على ذكر هذا الموضوع في غير مقال انشاء الله .
و نقول بأنه مهمى بلغ علم الإنسان و معرفته و اطلاعه و كلما اعتقد بأنه توصل الى علم جديد لا يزال في كتاب الله ما يرد و يدحض كل أقوال من اثار الشبهات حول القرآن الكريم قال تعالى :
{ (مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا(51)-الكهف}
يمكنك مشاهدة فديو على اليوتيوب مع الأستاذ عبد الدايم الكحيل موثق بشكل علمي عن السماء و هي دخان
0 التعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.