الرد على شبهة وشروه بثمن بخس دراهم معدودة

تقول الشبهة:
كيف يقول القرآن أن يوسف قد بيع وكان ثمنه دراهما في حين أن الدراهم تعتبر حديثة العهد نسبيا الى يوسف، ففي عصر يوسف لم تكن العملة قد صُكت بعد؟
إن واحدا ممن أثاروا تلك الشبهة هو المدعو (بالأخ وحيد) أو بالأحرى أخوهم وحيد فنحن لا يناسبنا ولا يشرفنا بأن نتلفظ بمثل هذه الكلمات (أخ أب) وما إلى ذلك لأشخاص أشبه بما يكونوا بأخوان الشياطين، فكان من الأجدر لأخو الشيطان وحيد بأن يذهب ويفند أخطاء كتابه المسمى بالمقدس فهو كتاب محرف ومستبدل .



 الرد:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين،
أما بعد:

قبل أن نبدأ بالرد أحب أن أقول لهذا المنصر الذي يتطاول ويتهجم على كتاب الله -تعالى- القرآن الكريم، بأن يوسف بحسب الكتاب المقدس قد بيع بعشرين من الفضة!
سفر التكوين اصحاح 37:
 ثم جلسوا لياكلوا طعاما. فرفعوا عيونهم ونظروا واذا قافلة اسماعيليين مقبلة من جلعاد، وجمالهم حاملة كثيراء وبلسانا ولاذنا، ذاهبين لينزلوا بها الى مصر. 26 فقال يهوذا لاخوته: «ما الفائدة ان نقتل اخانا ونخفي دمه؟ 27 تعالوا فنبيعه للاسماعيليين، ولا تكن ايدينا عليه لانه اخونا ولحمنا». فسمع له اخوته. 28 واجتاز رجال مديانيون تجار، فسحبوا يوسف واصعدوه من البئر، وباعوا يوسف للاسماعيليين بعشرين من الفضة. فاتوا بيوسف الى مصر.

وملاحظة هامة لم يكن المال كذهب وفضة قد عُرف بعد أو أنه قد تم تعريفه على شكل وحدات نقدية كأن تقول عشرين ذهبا أو ثلاثون فضة، لأنه وبكل بساطة لم يكن المال قد تم تعريفه على شكلة عملة أي وحدة نقدية سواء كانت ذهب أو فضة بعد.

في هذا الرد سيكون ردا شافيا بإذن الله -تعالى- وأرجو قراءته بالكامل.
أولا إن كتابنا القرآن الكريم والذي أنزله الله العلي الكبير على عبده ورسوله محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسلم، كتاب يقر بأن فيه شبهات، وذلك في قوله -تعالى-:
( 7 )   هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ.
سورة آل عمران.

اذا طالما أن القرآن الكريم يقر بوجود الشبهات أو الآيات المتشابهات فيه، فإنه لمن الخطأ الاستعجال والحكم على كلمة منه دون علم كاف.

- ثانيا: في عالم المال هناك شيء اسمه التحويل أو التبديل بمعنى يمكن تبديل عملة ما إلى عملة أخرى، أو من ذهب إلى عملة أو العكس،
 وهذا شيء معروف على بشكل بديهي، على سبيل المثال فإن المرء يشتري السلعة بالدينار، في الوقت نفسه يشتري شخص آخر نفس السلع ذاتها في بلد ومكان آخر ولكن بعملة مختلفة قد تكون بالدولار وفي أوربا سيشتريها باليورو وفي الصين ستباع نفس السلعة باليو وان الصيني الخ.... فالأمر نسبي وفي النهاية فإن العلملات على اختلاف مسمياتها تعدل شيئا واحدا وهو المال، وأن هذا المال في النهاية هو إما ذهب أو فضة أو أن يكون معدناً ثميناً آخر.

دعني أضرب لك مثلا أخي القارئ، لدينا ها هنا بعض الأشخاص واحد منهم قد اشترى سلعة ما ولتكن جهاز جوال آي فون مثلا، اشتراه بمبلغ وقدره ألف دولر ولكن جاء الشخص الثاني وقال له أنت كذاب لأني اشتريت جهاز الآي فون بمبلغ 859 يورو فقفز شخص ثالث فقال أنتما الإثنان كاذبان لأني اشتريت الأيفون بمبلغ 3752 ريال سعودي فجاء رابع فقال أنتم الثلاثة تكذبون لأني قد اشتريت نفس الجهاز بمبلغ 112054 ين ياباني، وفي النهاية فإن هذا المبلغ يعادل أقل من أونصة من الذهب بقليل أو أنه يعدل ستة وعشرين قيراطا من الذهب.
لذا فإنه لمن التفاهة بأن يأتي شخص ما ليعلق على سعر سلعة ما بما بيعت به من عملة ما. فيقولن لك أنت كذاب لأنك قمت بتسعير سعر الإثنين كيلو من البطاطا واحد دولر بينما سعرهما واحد يورو!
ما هذا الهراء وأي مصيبة ابتلينا بها نحن المسلمين ذلك بأن يأتينا شخص حثالة كالمنصر وحيد السوداني يريد أن يكذب كتابنا القرآن الكريم ذلك الكتاب الذي أنزله الله الذي يعلم السر في السماوات والأرض على عبده المصطفى وعلى خيرة هلقه محمد صلى الله عليه وسلم.

فليذهب هذا المنصر إلى جهنم هو ومن هم على شاكلته، فإن بابها قد اتسع لهم وهي لمن كذب بالقرآن جزاءً موفورا.
فهذا المنصر يريد منا أن نترك ديننا الإسلام العظيم ونبيعه بثمن بخث، ومن ثم لنتبع إلهه المصلوب ونعبد الأوثوان وأصنام الكنيسة.


- دعنا نعود إلى الآية الكريمة من أجل شرحها شرحا سريعا عن كثب،
قال -تعالى-:
( 20 )   وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ.
سورة يوسف.

ومعنى كلمة (شروه) تعني (باعوه) وهي من الفعل (شرا) والذي يعني (باع) فالفعل ها هنا هو بجذره الخام ولكننا عندما نضيف إلى الفعل الحرف -ا- والحرف -ت- ليصبح (اشترى) فيكون الفعل في تلك الحالة قد انعكس على الفاعل تماما، وهو مثله مثل الفعل (باع) ويقابل في الطرف المعاكس الفعل (ابتاع).

فالذين وجدوا يوسف في قوله -تعالى-:
( 19 )   وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ ۖ قَالَ يَا بُشْرَىٰ هَٰذَا غُلَامٌ ۚ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ.
سورة يوسف.

هم ذاتهم من باعوه فيما بعد، ولكنهم عندما باعوه، باعوه بثمن بخس أي بثمن رخيص جدا وأن هذا الثمن الذي بيع به يوسف عليه السلام يعدل دراهم معدودات، ولا يشترط أن يكون يوسف قد بيع بعملة مسكوكة أو بعملة لها اسم معين لا فالآية لا تعني هكذا أبدا، لأن قوله -تعالى-: (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ) قد جاء على سبيل التنكير اللغوي وكما نلاحظ إذ لا وجود ل ألل التعريف، وكلنا نعلم بأن النكرة في اللغة إنما تكون مجهولة القيمة والمصدر بل مجهولة بالكاملة، فهي قيمة مجهولة مازالت لم تعرف بعد، وعند تعريف النكرة في اللغة، يضاف له أل التعريف لتصبح مثلا من (ثمن بخس) الى (الثمن البخس) فهناك فرق كبير بين التنكير والتعريف في اللغة.
لذلك فلو سألنا السؤال هنا: بكم بيع يوسف عليه السلام؟ لقد بيع يوسف بثمن بخس أي بثمن قليل جدا. وبكم بيع يوسف عليه السلام؟ لقد بيع يوسف بما يعادل دراهم معداودات أو بما هو قيمته من ذهب تساوي دراهم معدودات.

أما وأنك أخي القارء لعلك قد تتسائل في نفسك وكيف سيكون التعريف في مثل تلك الحالات، والجواب بسيط جدا بفضل الله -تعالى- ولن أحضر لك مثلا إلا من الكتاب المقدس كتاب ذاك المنصر السوداني وحيد أخو الشيطان

وهي في سفر أخبار الأيام 29: 7:
[ Chr1:29:7 ]-[ واعطوا لخدمة بيت الله خمسة آلاف وزنة وعشرة آلاف درهم من الذهب وعشرة آلاف وزنة من الفضة وثمانية عشر الف وزنة من النحاس ومئة الف وزنة من الحديد. ]

وكما نرى ها هنا فإنه قد جاء الكلام على سبيل التعريف وليس التنكير، والنص هنا من الكتاب المقدس قد التصقت به شبهة لا ليست شبهة إنما هي تهمة ثابة لا مجال لتفنيدها وهي: كيف يقول سفر اخبار الأيام الأول درهم وهي عملة أحدث من زمن داود؟
أما أخو الشيطان وحيد فقد أغفل عينييه وأصم أذنيه وأغلف قلبه عن تلك التهمة التي في كتابه المقدس، ثم جاء يريد أن يردنا عن الإسلام العظيم ويطعن في كتاب الذي هو كلام الله -تعالى- ووحيه المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
فليخسئ أخو الشيطان وحيد وكل من هو على شاكلته.

والآن سننتقل الى الجزء الذي سيقتل الشبهة بشكل قاطع، فنقول سائلين أنفسنا كيف يمكننا إسقاط تلك الشبهة بشكل قاطع؟
والجواب يكون لو استطعنا أن نجد آية كريمة تدل على نوع العملة المتداولة في عهد يوسف عليه السلام، أو بمعنى آخر لو وجدنا آية كريمة بها اشارة ما تخبر كيف كان أهل مصر في عهد يوسف عليه السلام يتعاملون فيما بينهم عند التجارة، فإن بينت الآية الكريمة أو دلت على أن أهل مصر في ذلك الحين كانوا بتعاملون تجاريا بالتبادل عوضا عن المال، أي بالمقايضة بمقايضة السلعة بالسلعة، عند ذلك تقع الشبهة ويُخسف بها وأصحابها إلى أسفلين ومعها صلعة أخو الشيطان وحيد وأمثاله.

إذا كيف سنستدل على ذلك؟ والجواب بسيط جدا ويسير بإذن الله -تعالى- عن طريق أهم أدات للتعامل والتبادل التجاري عند البيع والشراء،
وما هي أهم أداة للمقايضة التجارية؟
والجواب في قوله -تعالى-:
( 70 )   فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ
( 71 )   قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ
( 72 )   قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ.
سورة يوسف.

والجواب هي أداة (الصواع أو الصاع) وجمعها أصوع وصيعان، وهي أداة يكال بها الطعام كالحبوب من قمح وشعير وغيرها، والطعام كالتمر وما إلى ذلك، وقد قدرها علماء المسلمين في وقتنا الحالي بما يعادل من 2040 جرام إلى 2751 جرام فوزنه يختلف بحسب نوع الطعام الذي يكال به.

كما أن الصاع مشهور في الإسلام إذ أن الزكاة كانت تُدفع به ولمن أراد أن يعرف بشكل موسع عن الصاع فإن المحتوى الإسلامي حوله قد كثر به.

المهم أن الصاع كان يستخدم أنذاك كمكيال يقاس أو يكال به الطعام كالحبوب وغيرها.
وننوه ها هنا بأن المفسرين منهم من فهم من كلمة صواع الملك أي أنه الإناء الذي يشرب به، في حين استشكل ذلك التفسير آخرون فقالوا بأن الصواع هو الصاع الذي يكال به الطعام.
وواقع الأمر الإثنان مصيبان لأن الصاع في الأساس هو الإيناء ولكن يجتمع الناس أو يصطلح على صواع محدد (إيناء) من أجل كيل الطعام وقياسه، وفي تلك الحالة فإن الصواع هو مقياس العملة التي يتعامل بها الناس بعد أن يكونون قد اصطلح على صاع معين يزن كمية معينة.

دعنا نعود لآية الكريمة،
قال -تعالى-:
( 72 )   قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ.
سورة يوسف.
وقال أبو جعفر الطبري:
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فذكر عن أبي هريرة أنه قرأه : " صَاعَ المَلِكِ"، بغير واوٍ , كأنه وجَّهه إلى " الصاع " الذي يكال به الطعام.
وقال أبو جعفر الطبري أيضا: و " الصواع " ، هو الإناء الذي كان يوسف يكيل به الطعام. وكذلك قال أهل التأويل .
..//انتهى//..

وقال ابن كثير:
( قالوا نفقد صواع الملك ) أي : صاعه الذي يكيل به ، ( ولمن جاء به حمل بعير ) وهذا من باب الجعالة ، ( وأنا به زعيم ) وهذا من باب الضمان والكفالة .
..//انتهى//..

إذا وعلى ذلك فقد تبين من الآيات الكريمات في سورة يوسف عليه السلام بأن التعالم التجاري الذي كان شائعا أناذاك هو المقايضة، أي مقايضة السلعة بالسلعة لماذا؟ لأنه لم تكن العملة قد وجدت أو صُكت بعد، لذلك كانوا يلجأون إلى القياس بالصاع الذي اصطلحوا عليه وهو إناء الملك أو صواعه، وجميع الصيعان التي كانت في السوق المصرية القديمة أو الفرعونة كانت تعدل أو توازي بما صواع الملك.

بقي لنا أن نؤكد تلك الحقيقة بأنهم في عهد نبي الله -تعالى- يوسف عليه السلام وما قد سلفه، كانوا يتعاملون تجاريا أو  كانت العملة الموجودة في ذلك الوقت هي المقايضة (مقايضة السلعة بالسلعة) أو أنه من المرجح أن تكون العملة الأكثر استخداما هي الحبوب، فقد ثبت علميا أن أهل مصر كانوا طبقتين الأغنياء والفقراء وأن غالبية طعام الفقراء كان الخبز لذلك فأنهم سيعملوا ويبيعون سلعهم بالحبوب وخاصة القمح، لذا كان لابد من مقايس أو مكيال يكيلون به الحبوب لذلك فإنه قد اصطلحوا على صواع الملك أي إيناء الملك كمقياس لمكيالهم.

والآن سنذهب إلى الآيات التي الائي سؤكدن تلك الحقيقة، وهن في قوله -تعالى-:
( 59 )   وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ ۚ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ.
وقال القرطبي:
ألا ترون أني أوفي الكيل أي أتمه ولا أبخسه ، وأزيدكم حمل بعير لأخيكم فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون توعدهم ألا يبيعهم الطعام إن لم يأتوا به .
قوله تعالى : ألا ترون أني أوفي الكيل ويحتمل وجهين : أحدهما : أنه رخص لهم في السعر فصار زيادة في الكيل . والثاني : أنه كال لهم بمكيال واف .

( 60 )   فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلَا تَقْرَبُونِ.
وقال القرطبي:
قوله تعالى : فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي أي فلا أبيعكم شيئا فيما بعد ، لأنه قد وفاهم كيلهم في هذه الحال .
وقال أبو جعفر الطبري: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل يوسف لإخوته: (فإن لم تأتوني به) ، بأخيكم من أبيكم ، (فلا كيل لكم عندي) ، يقول: فليس لكم عندي طعام أكيله لكم ، (ولا تقربون) ، يقول: ولا تقربوا بلادي .

( 61 )   قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ
( 62 )   وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.
وقال ابن كثير:
( وقال لفتيانه ) أي : غلمانه ( اجعلوا بضاعتهم ) وهي التي قدموا بها ليمتاروا عوضا عنها ( في رحالهم ) أي : في أمتعتهم من حيث لا يشعرون ، ( لعلهم يرجعون ) بها .

قيل : خشي يوسف ، عليه السلام ، ألا يكون عندهم بضاعة أخرى يرجعون للميرة بها . وقيل : تذمم أن يأخذ من أبيه وإخوته عوضا عن الطعام . وقيل : أراد أن يردهم إذا وجدوها في متاعهم تحرجا وتورعا لأنه يعلم ذلك منهم . والله أعلم .
وقال القرطبي: و " بضاعتهم " أثمان ما اشتروه من الطعام .
وقال أبو جعفر الطبري: (اجعلوا بضاعتهم في رحالهم) ، يقول: اجعلوا أثمان الطعام التي أخذتموها منهم (18) ، " في رحالهم ".

( 63 )   فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما رجع إخوة يوسف إلى أبيهم ، ( قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل) ، يقول: منع منا الكيل فوق الكيل الذي كِيلَ لنا , ولم يكل لكل رجُلٍ منّا إلا كيل بعير-(فأرسل معنا أخانا) ، بنيامين يكتلَ لنفسه كيلَ بعير آخر زيادة على كيل أباعِرِنا ، (وإنا له لحافظون) ، من أن يناله مكروه في سفره.
( 64 )   قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ ۖ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ
( 65 )   وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ ۖ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي ۖ هَٰذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا ۖ وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ۖ ذَٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ.
وقال ابن كثير:
يقول تعالى : ولما فتح إخوة يوسف متاعهم ، وجدوا بضاعتهم ردت إليهم ، وهي التي كان أمر يوسف فتيانه بوضعها في رحالهم ، فلما وجدوها في متاعهم ( قالوا ياأبانا ما نبغي ) ؟ أي : ماذا نريد ؟ ( هذه بضاعتنا ردت إلينا ) كما قال قتادة . ما نبغي وراء هذا ؟ إن بضاعتنا ردت إلينا وقد أوفي لنا الكيل . ( ونمير أهلنا ) أي : إذا أرسلت أخانا معنا نأتي بالميرة إلى أهلنا ، ( ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ) وذلك أن يوسف ، عليه السلام ، كان يعطي كل رجل حمل بعير . وقال مجاهد : حمل حمار . وقد يسمى في بعض اللغات بعيرا ، كذا قال .
وقال القرطبي: ما نبغي " ما " استفهام في موضع نصب ; والمعنى : أي شيء نطلب وراء هذا ؟ ! وفى لنا الكيل ، ورد علينا الثمن ; أرادوا بذلك أن يطيبوا نفس أبيهم .
وقال أبو جعفر الطبري:
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولما فتح إخوة يوسف متاعَهم الذي حملوه من مصر من عند يوسف ، (وجدوا بضاعتهم) , وذلك ثمن الطعام الذي اكتالوه منه ، رُدّت إليهم، (قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا) يعني أنهم قالوا لأبيهم: ماذا نبغي؟ هذه بضاعتنا ردت إلينا ! تطييبًا منهم لنفسه بما صُنع بهم في ردِّ بضاعتهم إليهم .


( 70 )   فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ
( 71 )   قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ
( 72 )   قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ
( 73 )   قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ
( 88 )   فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ.
سورة يوسف.

وكما ترى أخي القارئ فكل الآيات التي أوردناها ها هنا تتكلم عن عملة واحدة وهي الكيل فالكيل كان إما بالصواع أو بحمل البعير.

ولقد وردت عملة الكيل في قوله -تعالى-:
( 85 )   وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ.
سورة الأعراف.

يجدر القول أن الكيل غير الميزان فالكيل شيء والميزان شيء آخر، وذلك لقوله -تعالى-:
( 35 )   وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا.
سورة الإسراء.
وقال القرطبي:
الأولى : قوله تعالى : وأوفوا الكيل إذا كلتم أي بالاعتدال في الأخذ والعطاء عند البيع والشراء . وتقتضي هذه الآية أن الكيل على البائع ، وقد مضى في سورة [ يوسف ] فلا معنى للإعادة .
..//انتهى//..


اذا وبعد هذا كله يتبن لنا بل ويتضح بأن القرآن الكريم يقر بأن التعامل الذي كان في عهد نبي الله يوسف عليه السلاو وما قبله قد كان بالكيل ولا وجود للعملة أي أنه لم يكن هناك لا درهم ولا دينار ولا أيا من عملة ولا حتى وحدة مالية غير المكيال. نعم قد يكون حصل بيع بالذهب والفضة ولكن لا يزال هذا يندرج تحت عملة المقايضة حيث لا وجود لعملة مصكوكة .

اذا وعلى ذلك فإن الشبهة التي أثارها أهل الكتاب وغيرهم حول ثم يوسف بأنه القرآن يقر بأنه بيع بعملة الدراهم، فتكون الشبهة قد انهارة وانطفأة.

بقي أن نجيب على سؤال مهم، وهو لماذا ذكر الله بأن يوسف قد بيع بدراهم معدودة؟
أولا: قال ابن عباس إن الله يكني ما يشاء بما يشاء.
أي يسمي ما يشاء بما يشاء.
ثانيا: الآية الكريمة في قوله -تعالى-:  ( 20 )   وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ.
قد جاءت على سبيل التنكير اللغوي، وكما هو معلوم فإن النكرة في اللغة، ف (ثمن بخس) هو نكرة ويعني أي ثمن بخس فلا تعريف فيه على وجه التحديد، و (دراهم معدودة) فهي أيضا على سبيل التنكير ولا تعريف فيها.

ثالثا: لقد بيع يوسف بثمن أقل من الثمن الذي كان يجب أن يباع فيه، ومعنى كلمة (بخث) بخث الشيء أي قلل من قيمته التي يستحقها، ومنها قوله -تعالى-:
( 85 )   وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ.
وقال أبو جعفر الطبري: وقوله: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) ، يقول : ولا تنقصوا الناس حقوقهم التي يجب عليكم أن توفوهم كيلا أو وزنًا أو غير ذلك،..//انتهى//..

فلو عدنا إلى قوله -تعالى-:  ( 20 )   وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ.
سيتضح منه أن الذي باع يوسف علي السلام سواءً كانوا اخوته أو الذين وجدوه في البئر، فإنهم قد باعوه بثمن بخس لأنهم كانوا زاهدين فيه أي غير راغبين فيه، فكان من الأجدر ها هنا ذكر تلك الحادثة (بيع يوسف) ولكنها قد جاءت أو ذُكرت على سبيل الذم سواءً لأن يوسف قد تم بيعه أو لأن ثمنه كان بخسا جدا مقارنة بما كان يستحق فهو نبي من أنبياء الله -تعالى- وإن ما في الأرض من ذهب لا يعدل ثمنه لما يحمل هذا النبي (يوسف) معه من علم وما الى ذلك، لذلك قد ذُكرت تلك الحادث زما لبيع يوسف ولبخس ثمنه الذي بيع به ولزهد من باعه فيه.

ولما كان يوسف قد بيع بثمن بخس أراد الله -تعالى- ها هنا بأن يزم ذلك الثمن ولكنه اتضح أن يوسف قد بيع ببعض أصواعٍ من الطعام أو الحبوب، ولكن الحبوب القمح والذرى والشعير وغيرها من الطعام هي نعمة عظيمة وفضل من الله -تعالى- وفي نفس الوقت قد كانت ثمنا ليوسف عليه السلام، وعلى ذلك فإن الله -تعالى- بالطبع لا ولن يذم نعمه التي يتباها بإغداقها على عباده كالحبوب على اختلاف أنواعها، لذا كان من الأجدر تحويل ثمن يوسف عليه السلام الذي بيع فيه من طعام إلى دراهم فعند ذلك يكون ذم الدرهم أولى من ذم الطعام ، وحتى لا يأتي في المستقبل من يذم تلك النعم ويتخذ من قوله تعالى في تلك الآية ذريعة له ليذم الطعام والعياذ بالله -تعالى-. ثم أنه طالما أن هناك في عالم المال والأثمان شيء اسمه الحويل أو التبديل فلله أن يحول ما يشاء من أثمان وعملات إلى ما يشاء فلله ملك السماوات والأرض وما بينهما وهو على كل شيء وكيل.


رابعا: على العباد أن تعلم أن القرآن الكريم هو كتاب الله -تعالى- المنزل على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فهو كلام الله -تعالى- ووحيه الى رسوله عليه السلام، وما يذكره الله -تعالى- في كتابه دائما ما يكون على وجه التباهي بمعنى أن الله -تعالى- يتباها بنفسه وبما خلق وبعدرته على أن يوجد الشيء من لا شيء، سواء إن كان ذلك خيرا أم شراً، لذلك فإن الدينار والدرهم وغيرهما من العملات التي يتعالمل بها الإنس إنما هي آيات من آيات الله -تعالى- بأن جعل لعباده عملة يتعاملون بها، لأن الله -تعالى- هو الذي يقيم الأشياء بالميزان فهو الذي أعطى الذهب قيمته والفضة وغيرها وهو الذي أوجد العملات والتعاملات التجارية أم يحسب الإنسان أن ذلك قد أتى صدفة، لا طبعا،
 وقال -تعالى-:
( 96 )   وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ.
سورة الصافات.

وقال أيضا:
( 58 )   إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ.
سورة الذاريات.

إذا وعلى ذلك فقد تم اسقاط الشبهة بفضل الله -تعالى- ومنته.

ونختم بقوله -تعالى-:
( 101 )   ۞ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ
( 102 )   ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۖ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ
سورة يوسف.



وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل بيته وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
تم بفضل الله -تعالى-.

Share on Google Plus

About Abd ElRahman

لا إله إلا الله محمد رسول الله
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.