لماذا لا يستجيب الله الدعاء

لماذا لا يستجيب الله الدعاء؟

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آل بيته وصحبه أجمعين، أما بعد:

يا سبحان الله وكيف لا يستجيب الله الدعاء وهو القائل سبحانه:
{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ(60) -غافر}.

وعن أبي سعيد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم ، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال : إما أن يعجل له دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها " قالوا : إذا نكثر . قال : " الله أكثر " .
رواه الإمام أحمد.

في هذا الموضوع سنتكلم عن الدعاء،

نبدأ على بركة الله تعالى:
اعلم أخي القارئ أنه لا يوجد شيء اسمه دعوة غير مستجابة طالما أن العبد كان في إخلاص لله سبحانه وتعالى،
ويحصل أن يلح العبد ويكثر في طلب حاجته بدعاءه الى الله الحق تبارك  فلا يجد الإجابة، ولكنه إذا ما وقع في ورطة لا قدر الله وصار حكمه حكم المضطر في الدعاء ثم رفع يديه وتوجه مخلصا لله وقال اللهم أجرني في مصيبتي، فإذا بالإجابة تأتيه من عند الله العظيم، مسرعة كأنها تشق السماوات السبع،

وسنقسم الموضوع الى ثلاث أقسام:

  1. 1-     دعوة المضظر
  2. 2-     دعوة المظلوم
  3. 3-     الدعاء


دعوة المضطر
قال تعالى:
{ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ(62) –النمل}.
والآية الكريمة من سورة النمل وهي سورة مكية وفيها خطاب الى مشركي مكة وهنا لابد أن ننوه فإذا كان عبدا كافرا ومشركا ثم وقع في حكم المضطر ودعا الله سبحانه وتعالى بإخلاص خالص لله . والله أعلم أنه قد يستجيب له وكيف لا يستجيب وهو القائل سبحانه وتعالى:
{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا(67) –الإسراء}.
وقال أيضا:
{وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ(53) –النحل}.
وقال أيضا:
{بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ(41) –الأنعام}.
إذا دعوة المضطر يجيبها الله تعالى إن شاء من فورها، حتى وإن كان داعيها كافرا أو مشركا طالما أنه استوفى شرطها الأساسي وهو الإخلاص لله حتى ولو كان هذا الإخلاص لوقت قصير.

دعوة المظلوم

وهناك دعوة المظلوم أيضا وهي ليس بينها وبين الله حجاب.
وفي مسند أحمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا فَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِ" ... وأخرجه ابن أبي شيبة ، والطبراني ، والطيالسي...- قال الألباني : حسن.

وروى الحاكم في مستدركه عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اتقوا دعوات المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة ... صححه الألباني في تحقيقه للجامع الصغير.

وروى ابن حبان في صحيحه "عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوة المظلوم تحمل على الغمام ، وتفتح لها أبواب السماوات ، ويقول الرب تبارك وتعالى : "وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين " وأخرجه الطبراني في الكبير، عن خزيمة بن ثابت ... / قال الألباني : صحيح .


الدعاء:
وصلنا الى الدعاء وهنا عليّ أن أسأل نفسي، هل أنا في حكم المضطر؟ الجواب لا. هل أنا في حكم المظلوم؟ الجواب لا. ماذا يوجد أيضا الإمام العادل مجاب الدعوة فهل أنا من هذا الفصيل؟ الجواب لا.

إذا أنا عبد لله وحكمي في حكم العامة، وسأحاول أن ألح في الدعاء وأتبع أسباب الإستجابة.

اعلم أخي القارئ أن أهم شرطين لاستجابة الدعاء هما الإيمان الخالص بالله تعالى والاستجابة له سبحانه، لما جاء في قوله تعالى:
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ(186) –البقرة}.
إذا أستجيب لله تبارك وتعالى، كيف؟ أستجيب له بما فرض علي من الفرائض لما ثبت في الحديث القدسي (وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه)، على سبيل المثال أمرنا الله سبحانه بالصلاة على وقتها فلا ندع فرضا يفوتنا أمرنا بصيام رمضان نصوم أمرنا بالزكاة نزكي أمرنا بالصدقات نتصدق أمرنا بالعطف على اليتامى والمساكين والفقراء والإحسان إليهم، نفعل. أخبرنا الحق تبارك وتعالى أن له حدود ونهى عن تعديها وبعضها حرم الاقتراب منها، فنلزم حدوده ولا نقترب منها أو نتعداها.
الله سبحانه وتعالى أمر بطاعته وطاعة رسوله، قال تعالى:
{.. وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(13) النساء}.

ولعلنا الى هنا قد نكون استوفينا بعضا من الشرط الأول، وننتقل للشرط الثاني وهو الإيمان:
الإيمان بالله والإخلاص له.

وخير سبيلنا هو من القرآن الكريم، قال تعالى:

{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(3) –البقرة}. لاحظ وجوب الإيمان بالغيب.
وقال أيضا:
{ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ(114) –آل عمران}.

وقوله تعالى:
{ لَّٰكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ۚ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ ۚ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا(162) –النساء}.
لاحظ وجوب الإيمان بالله واليوم الآخر.

وقوله تعالى:
{ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ(18) أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) –التوبة}.

ولأن الإيمان باليوم الآخر هو شرط أساسي أيضا فسيكون من الجيد أن نتتبع أخباره وندرس أحواله من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ولعل البعض قد يتسائل وما علاقة اليوم الآخر بالدعاء واستجابته؟ إنها علاقة كبيرة جدا لأن المؤمن بالله واليوم الآخر إذا دعا الله ربه كان في أولوياته أن يطلب من الله فيقول (اللهم أجرنا من النار) ويقول (اللهم إنا نسألك رضاك والجنة)، وهذا دعاء يحبه الله

وقد أخبرنا الله جَّل جلاله عن صنف من العباد يدعوه ويسأله حاجاته في الدنيا دون الآخر وهذا ما زمه الله، قال تعالى:
{.. فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ(200) –البقرة}.

وقال الحافظ ابن كثير:
ثم إنه تعالى أرشد إلى دعائه بعد كثرة ذكره ، فإنه مظنة الإجابة ، وذم من لا يسأله إلا في أمر دنياه ، وهو معرض عن أخراه ، فقال : ( فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ) أي : من نصيب ولا حظ . وتضمن هذا الذم التنفير عن التشبه بمن هو كذلك . قال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف ، فيقولون : اللهم اجعله عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن . لا يذكرون من أمر الآخرة شيئا ، فأنزل الله فيهم:  (فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق). //انتهى//.

ثم أن الحق سبحانه أرشدنا إلى الدعاء الذي مدحه في قوله تعالى:
{ وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(201) –البقرة}.

ولشرط الإيمان معنى آخر وهو التيقن بالإجابة عند الدعاء، لما ثبت في الحديث:
عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " القلوب أوعية ، وبعضها أوعى من بعض ، فإذا سألتم الله أيها الناس فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة ، فإنه لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل " ..
رواه الإمام أحمد.

وأخرج ابن كثير:
عن ابن عباس : حدثني جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم أمرت بالدعاء ، وتوكلت بالإجابة ، لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك ، لبيك إن الحمد والنعمة لك ، والملك لا شريك لك ، أشهد أنك فرد أحد صمد لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا أحد ، وأشهد أن وعدك حق ، ولقاءك حق ، والجنة حق ، والنار حق ، والساعة آتية لا ريب فيها ، وأنت تبعث من في القبور " ..

الى هنا وعسانا بفضل الله أن نكون استوفينا بعضا من الشرط الثاني لاستجابة الدعاء.

-------
ومن شروط استجابة الدعاء، أن يبتعد العبد عن أكل المال الحرام،

وقد ثبت في صحيح مسلم ، وجامع الترمذي ، ومسند الإمام أحمد واللفظ له من حديث فضيل بن مرزوق ، عن عدي بن ثابت ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الناس ، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال : ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ) . وقال : ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) [ البقرة : 172 ] . ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام ، يمد يديه إلى السماء : يا رب ، يا رب ، فأنى يستجاب لذلك " ..

ملاحظة هامة جدا تأكد أنك لا تتعامل بالبطاقات الاتمانية الربوية مثل الفيزا كارد أو المساتر كارد وغيرها من البطاقات الربوية فهي مال حرام ومطعم حرام وملبس حرام ولا يستجيب الله -تعالى- لمن يتعامل بالربا ويأكل الحرام.
-------

وأيضا الاكثار من ذكر الله والتوبة إليه واستغفاره قد يعجل من استجابة الدعاء، قال الحق تبارك وتعالى:
{وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ۖ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ(3) –هود}.
وقوله أيضا:
{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ(52) –هود}.

وقال في سورة نوح:
{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا(10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا(11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا(12) –نوح}.
وفي الحديث : " من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا ، ورزقه من حيث لا يحتسب " ..

بعض الأحاديث التي وردت في فضل الدعاء:

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، حدثنا خالد الحذاء ، عن أبي عثمان النهدي ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فجعلنا لا نصعد شرفا ، ولا نعلو شرفا ، ولا نهبط واديا إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير . قال : فدنا منا فقال : " يا أيها الناس ، اربعوا على أنفسكم ; فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا ، إنما تدعون سميعا بصيرا ، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته . يا عبد الله بن قيس ، ألا أعلمك كلمة من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوة إلا بالله " .
أخرجاه في الصحيحين

وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود ، حدثنا شعبة ، حدثنا قتادة ، عن أنس رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا دعاني " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن إسحاق ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، حدثنا إسماعيل بن عبيد الله ، عن كريمة بنت الخشخاش المزنية ، قالت : حدثنا أبو هريرة : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " قال الله : أنا مع عبدي ما ذكرني ، وتحركت بي شفتاه " .
وقال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن منصور الكوسج ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا ابن ثوبان ، عن أبيه ، عن مكحول ، عن جبير بن نفير ، أن عبادة بن الصامت حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما على ظهر الأرض من رجل مسلم يدعو الله ، عز وجل ، بدعوة إلا آتاه الله إياها ، أو كف عنه من السوء مثلها ، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم
وقال الإمام مالك ، عن ابن شهاب ، عن أبي عبيد مولى ابن أزهر عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ، يقول : دعوت فلم يستجب لي.
أخرجاه في الصحيحين.

وقال مسلم أيضا : حدثني أبو الطاهر ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني معاوية بن صالح ، عن ربيعة بن يزيد ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل " . قيل : يا رسول الله ، ما الاستعجال ؟ قال : " يقول : قد دعوت ، وقد دعوت ، فلم أر يستجاب لي ، فيستحسر عند ذلك ، ويترك الدعاء " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا ابن هلال ، عن قتادة ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل " . قالوا : وكيف يستعجل ؟ قال : " يقول : قد دعوت ربي فلم يستجب لي " .

وقال الإمام أبو جعفر الطبري في تفسيره : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، حدثنا ابن وهب ، حدثني أبو صخر : أن يزيد بن عبد الله بن قسيط حدثه ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، أنها قالت : ما من عبد مؤمن يدعو الله بدعوة فتذهب ، حتى تعجل له في الدنيا أو تدخر له في الآخرة ، إذا لم يعجل أو يقنط . قال عروة : قلت : يا أماه كيف عجلته وقنوطه ؟ قالت : يقول : سألت فلم أعط ، ودعوت فلم أجب .

وكتب الإمام القرطبي رحمه الله موعظة في أمر الدعاء فقال:
عظة : وقيل لإبراهيم بن أدهم : ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا ؟ قال : لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه ، وعرفتم الرسول فلم تتبعوا سنته ، وعرفتم القرآن فلم تعملوا به ، وأكلتم نعم الله فلم تؤدوا شكرها ، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها ، وعرفتم النار فلم تهربوا منها ، وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه ، وعرفتم الموت فلم تستعدوا له ، ودفنتم الأموات فلم تعتبروا ، وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس . قال علي رضي الله عنه لنوف البكالي : يا نوف ، إن الله أوحى إلى داود أن مر بني إسرائيل ألا يدخلوا بيتا من بيوتي إلا بقلوب طاهرة ، وأبصار خاشعة ، وأيد نقية ، فإني لا أستجيب لأحد منهم ، ولا لأحد من خلقي له عنده مظلمة . يا نوف ، لا تكونن شاعرا ولا عريفا ولا شرطيا ولا جابيا ولا عشارا ، فإن داود قام في ساعة من الليل فقال : إنها ساعة لا يدعو عبد إلا استجيب له فيها ، إلا أن يكون عريفا أو شرطيا أو جابيا أو عشارا ، أو صاحب عرطبة ، وهي الطنبور ، أو صاحب كوبة ، وهي الطبل . قال علماؤنا : ولا يقل الداعي : اللهم أعطني إن شئت ، اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت ، بل يعري سؤاله ودعاءه من لفظ المشيئة ، ويسأل سؤال من يعلم أنه لا يفعل إلا أن يشاء . وأيضا فإن في قوله : إن شئت نوع من الاستغناء عن مغفرته وعطائه ورحمته ، كقول القائل : إن شئت أن تعطيني كذا فافعل ، لا يستعمل هذا إلا مع الغنى عنه ، وأما المضطر إليه فإنه يعزم في مسألته ويسأل سؤال فقير مضطر إلى ما سأله . وروى الأئمة واللفظ للبخاري عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة ؛ يقولن اللهم إن شئت فأعطني فإنه لا مستكره له . وفي الموطأ : اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت . قال علماؤنا : قوله فليعزم المسألة دليل على أنه ينبغي للمؤمن أن يجتهد في الدعاء ويكون على رجاء من الإجابة ، ولا يقنط من رحمة الله ; لأنه يدعو كريما . قال سفيان بن عيينة : لا يمنعن أحدا من الدعاء ما يعلمه من نفسه فإن الله قد أجاب دعاء شر الخلق إبليس ، قال : رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ، قال فإنك من المنظرين ، وللدعاء أوقات وأحوال يكون الغالب فيها الإجابة ، وذلك كالسحر ووقت الفطر ، وما بين الأذان والإقامة ، وما بين الظهر والعصر في يوم الأربعاء ، وأوقات الاضطرار وحالة السفر والمرض ، وعند نزول المطر والصف في سبيل الله . كل هذا جاءت به الآثار ، ويأتي بيانها في مواضعها ، وروى شهر بن حوشب أن أم الدرداء قالت له : يا شهر ألا تجد القشعريرة ؟ قلت نعم . قالت : فادع الله فإن الدعاء مستجاب عند ذلك ، وقال جابر بن عبد الله : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الفتح ثلاثا يوم الاثنين ويوم الثلاثاء فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين فعرفت السرور في وجهه . قال جابر : ما نزل بي أمر مهم غليظ إلا توخيت تلك الساعة فأدعو فيها فأعرف الإجابة .

يتبع إن شاء الله تعالى.
وخير ما نختم به من كتاب الله تبارك وتعالى:

( 76 )   وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ
( 77 )   وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ
( 78 )   وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ
( 79 )   فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ
( 80 )   وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ
 ( 81 )   وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ
( 82 )   وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ
 ( 83 )   ۞ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ
( 84 )   فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ
( 85 )   وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ
( 86 )   وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا ۖ إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ
( 87 )   وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
( 88 )   فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ
( 89 )   وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ
( 90 )   فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ
( 91 )   وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ
 ( 92 )   إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ

                    ((سورة الأنبياء)).
Share on Google Plus

About Abd ElRahman

لا إله إلا الله محمد رسول الله
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.