الرد على شبهة قارون وفرعون

يحاول مثيري الشغب وكارهي الإسلام من أهل الكتاب وغيرهم إثارة الشبهات حول قصة أو ذكر قارون في كتاب الله -تعالى-، حتى إني تتبعتهم محاولا بدوري فهم ما يقصدون، من أجل الرد عليهم، فما وجدت شيئا مقنعا لا من قريب ولا من بعيد، سوى كلاما لا ينم إلا عن جهلهم بكتاب الله -تعالى-، وعدم معرفتهم أو درايتهم بمنطق القرآن الكريم، أو حتى إحاطتهم ببعضٍ، ولو بشيء يسير من علوم التفسير القرآني.
حيث أن القرآن الكريم كتاب أنزله الله -تعالى- وأوحى به إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، والأساليب أو الأنماط التي يعتمدها القرآن الكريم في مخاطبة العباد ليست كالتي في الكتاب المقدس، حيث أن الكتاب المقدس قد تدخلت به يد البشر من بعد ما حشر الربانييون والأحبار أنفسهم في أسلوبه، فأضاعوا الكلمات المقدسة التي كتبها الله -تعالى- بيده في ألواح التوراة المقدسة، التي أعطاها الله -تعالى- لموسى، عندما واعده جانب الطور الأيمن.



الرد:
في البداية فإن كان مثير الشبهة من الملحدين، فلا قيمة لكلامه، ذلك أنه لا يملك سلطانا يجادلنا به، فعلى أي أساس سيجادلنا، فالملحد هو بالأساس كافر بالله -تعالى- وآياته ولا يؤمن بأي منها، بما في ذلك قصة قارون المذكروة سواء في التوراة أو القرآن، لذلك فليغلق الملحد فمه ثم ليرحلن بعيدا عن هنا، أو أن يأتينا بسلاطٍ من عند الله -تعالى- ليجادلنا به.
لتلك الأسباب فإن الرد سيكون على أهل الكتاب، فهم وإن جادلونا حول تلك القصة، نجادلهم على اعتبار أن معهم كتاب وهو الكتاب المقدس.

- في الواقع لقد اطلعت بفضل الله -تعالى- على قصة قارون الموجدة في الكتاب المقدس في العهد القديم، فما وجدت فيها ما يناقض القصة القرآنية بشيء أو يعارضها، بل على العكس فإن القرآن الكريم قد أضاف على القصة ما كان قد ضاع منها في التوراة.
وسأسرد قصة قارون كاملة في غير هذا الموضوع إن شاء الله -تعالى-.
ولكن في البداية سنفند الشبهة الأولى المتمحورة حول قوله -تعالى-:
( 23 )   وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
( 24 )   إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ
( 25 )   فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ ۚ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ.
سورة غافر.

1- المسألة الأولى وهي جمع قارون مع هامان وفرعون، فبينما قارون من بني إسرائيل، كانا هامان وفرعون من الفراعنة، مع الأخذ بعين الاعتبار، أن أمكنة تعذيب الأول والآخران، أماكن مختلفة، ففرعون وهامان كان عقابهم بأن أغرقهما الله -تعالى- مع جميع جنود جيش فرعون، أما الثالث وهو قارون فكان عذاب مختلفا وفي مكان مختل، إذ أن الله -تعالى- كان قد خسف به وبداره الأرض، علاوة على ذلك فإن أزمنت وأمكنت المعذبين الملاعين الهالكين قد اختلفت أيضا، حيث كان هلاك فرعون وهامان قبل هلاك قارون، والله أعلم.

لذا فإن الرد يكون: إن جمع الأشخاص أو الأقوام المعذبين، الذين ذكرهم الله -تعالى- في القرآن الكريم، لا يشترط الزمان والمكان نفسيهما، فالآية قد جاءت علي سبيل آيات كثيرة من كتاب الله -تعالى-،
كقوله -تعالى-:
( 12 )   كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ
( 13 )   وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ
( 14 )   وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ ۚ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ.
سورة ق.
لاحظ كيف جمع الله -تعالى- كل هذه الأقوام في ثلاث آيات من سورة ق، بينما واقع أمرهم يكون لكل أمة منهم مكانها وزمانها، علي سبيل المثال: ما بين قوم عاد وبين فرعون وجنوده، قرابة أكثر من ثلاثة آلاف عام، فمدينة عاد تم اكتشافها وهي موجودة في اليمن ويرجع تاريخها إلى ما قبل خمسة آلاف سنة قبل الميلاد.
كذلك الأمر نفسه فلكل أمة مذكورة في الآيات أعلاه، لها مكانها وزمانها الخاصين بها، مع العلم أن الله -تعالى- قد جمع ذكرهم بأن عطف بعضهم على بعض في ثلاثة آيات كريمات، لذا فذكر الأمم أو الأشخاص الذي يأتي مجموعا في آيات الله -تعالى- من كتابه، لا يشترط ولا يستلزم جمع الزمان والمكان معهم، إنما لكل مذكور زمانه ومكانه الخاص به.

ومثال آخر من كتاب الله -تعالى- هو قوله -تعالى-:
 17 )   هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ
( 18 )   فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ.
سورة البروج.

فد جمع الله -تعالى- فرعون وقوم ثمود في آية واحدة، فالجمع بالأسماء لا يعني جمع أماكنهم وأزمنتهم معا.

2- المسألة الثانية: وهي أن جمع الأقوام أو الأشخاص في آية وحدة دون الاشارة فيها إلى اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم، يكون ذلك لأن ها أولاء قد تشابهوا بنفس القلوب والأقوال والأفعال، فعلى الرغم من أن كل أمة منهم كانت في زمان ومكان مختلف، إلا أنهم كانوا مثل بعضهم ولا يختلفون عن بعضهم لا بالأقوال ولا بالأفعال،
وقال الله -تعالى-:
( 118 )   وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ ۘ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ۗ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.
وقال أيضا:
( 70 )   أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ ۚ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.
سورة التوبة.
وقال أيضا:
( 13 )   وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ۖ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ.
سورة إبراهيم.

لاحظ كيف أن كل تلك الأقوام كانت كافرة بالله -تعالى- جاحدة بنعمه رافضة لرسله، ولم تختلف أمة منهم عن الأخرى بشيء، سوى أنهم كانوا نفس القالب والقول والفعل والرأي، واحدتهم نسخة مشابهة للتي كانت من قبلها أو التي جاءت بعدها.

وجميل لو ذكرنا بغض آيات الله -تعالى- والتي توضح الأمر قبل أن ننتقل للنقطة الثالثة:
قال الله -تعالى-:
( 38 )   وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ ۖ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ
 39 )   وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ
( 40 )   فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.
سورة العنكبوت.

لاحظ كيف أن الله سبحانه وتعالى قد جمع أسماء ها أولاء في آيتين ثم عطف في الثالثة فأخبرنا أنه كان لكل مذكور منهم عذاب مختلف.
لقد انتهينا من هذه النقطة ولا يفاتحنني فيها أحد من بعد ما قرأناه من كتاب الله -تعالى- حولها، فها هي واضحة بينة ألمع من شعاع البرق إذا ما أرسل في ليلة حالكة.

ومنها نذهب إلى النقطة الثالثة:
3- فالحكمة التي يمكن استنبطاها من ذكر ها أولاء الثلاثة مجتمعين في آية واحد (قارون وفرعون وهامان)، هي أن أنظمة الحكم الظالمة المستبدة ترتكز على ثلاثة أعمدة، وهي الرجل الظالم الغني الذي يملك المال (قارون) والذي يمول الحاكم الظالم الذي بيده السلطة (فرعون) والذي بدوره يعطي الأمر لوزيره الظالم (هامان)، هكذا هي دائم أنظمة الحكم الظالمة المتسلطة المستبدة، فالحاكم الظالم لا يستطيع أن يفعل شيئا إن لم يكن لديه وزيرا مطيعا له، لأن ولاء الجنود وطاعتهم عادةً ما يكون للقادة أو الوزراء أكثر ما هو للحاكم، كما أن الحاكم والوزير لا يمكن لهما فعل شيء أو تحريك الجيوش، إذا ما استطاعوا لها تمويلا، فهم يحتاجون إلى رؤوس الأمول وهم الرجال الأغنياء الذين يملكون المال، من أجل الحصول على التمويل لتحريك الجيوش.
وهنا تشع الحكمة من الآية الكريمة ويظهر لدينا المغزى من جعل ها أولاء الثلاثة أشرار في آية واحد (قارون وفرعون وهامان).

وقال الإمام القرطبي:
إلى فرعون وهامان وقارون خصهم بالذكر لأن مدار التدبير في عداوة موسى كان عليهم، ففرعون الملك وهامان الوزير وقارون صاحب الأموال والكنوز فجمعه الله معهما; لأن عمله في الكفر والتكذيب كأعمالهما. فقالوا ساحر كذاب لما عجزوا عن معارضته حملوا المعجزات على السحر ..//انتهى//..
الآن وقد انتهينا ومنها إلى النقطة الرابعة،

4- وهي أن الله -تعالى- قد أرسل موسى إلى قارون، من أجل أن يعظه وينهاه عن بغيه وتعديه، فالله -تعالى- أرسل موسى إلى قارون تماما مثلما أرسله إلى فرعون وهامان، وويح أهل الكتاب من أن يتجرأوا على قول غير ذلك، فإن جحدوا واستكبروا، فليأتوا عند ذلك بالتوراة ويتلونها إن كانوا صاديقين، ففيها أن الله -تعالى- هو من أرسل موسى صلى الله عليه وسلم لينهى قارون عما يفعل،
وفي سفر الخروج:
سفر الخروج:
16: 4 فلما سمع موسى سقط على وجهه
16: 5 ثم كلم قورح و جميع قومه قائلا غدا يعلن الرب من هو له و من المقدس حتى يقربه اليه فالذي يختاره يقربه اليه
16: 16 و قال موسى لقورح كن انت و كل جماعتك امام الرب انت و هم و هرون غدا
16: 28 فقال موسى بهذا تعلمون ان الرب قد ارسلني لاعمل كل هذه الاعمال و انها ليست من نفسي
16: 29 ان مات هؤلاء كموت كل انسان و اصابتهم مصيبة كل انسان فليس الرب قد ارسلني
16: 30 و لكن ان ابتدع الرب بدعة و فتحت الارض فاها و ابتلعتهم و كل ما لهم فهبطوا احياء الى الهاوية فتعلمون ان هؤلاء القوم قد ازدروا بالرب
16: 31 فلما فرغ من التكلم بكل هذا الكلام انشقت الارض التي تحتهم
16: 32 و فتحت الارض فاها و ابتلعتهم و بيوتهم و كل من كان لقورح مع كل الاموال
16: 33 فنزلوا هم و كل ما كان لهم احياء الى الهاوية و انطبقت عليهم الارض فبادوا من بين الجماعة
------ //انتهى//------

فلما أخبرنا الله سبحانه وتعالى بأنه قد أرسل موسى إلى قارون وفرعون وهامان، فهذا يعني بأنه سبحانه وتعالى كان فعلا قد أرسل رسوله إليهم، فعندما وصل رسول الله موسى عليه السلام إلى بلاط الفرعون، وقتها كان مرسل إلى فرعون وهامان، ويحتمل أن يشتمل القول أيضا على قارون معهما كونه كان عاملا من عمال الفرعون، ومع ذلك فقد أعاد الله -تعالى- الكرة على قارون ليرسل إليه رسوله موسى تارة أخرى، وذلك ليجعل قارون يحقق شرط الله -تعالى- قبل أن يأخذه الله -تعالى- بالعذاب، وهو قوله -تعالى- في سورة الإسراء: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا)، فوعظ رسول الله موسى عليه السلام لقارون في المرة الأولى حينا كان الآخر عاملا في بلاط فرعون، قدر الله -تعالى- أنها غير كافية لذلك أرسل رسوله موسى عليه السلام كرة أخرى إلى قارون فتحقق بذلك شرط الله -تعالى- وسنته في أخذ الظالمين.
 بناءا على ذلك يكون موسى عليه السلام قد وعظ قارون مرتين، الأولى عندما كان قارون في بلاط فرعون، والثانية بعدما جاوز الله -تعالى- ببني إسرائيل البحر وأهلك فرعون وجنوده.

وقال الإمام القرطبي:
قال قتادة : وكان قطع البحر مع موسى وكان يسمى المنور من حسن صورته في التوراة ، ولكن عدو الله نافق كما نافق السامري .


5- لذلك فإن ما قرأناه من آيات الله -تعالى- التي أوردناها الآن، يشرح ويوضح بيانا واحدة من النقاط الهامة من قصة هارون، والتي على ما يبدو أنها كانت قد ضاعة من التوراة، أو لعل اليهود قد طموسها لأسباب مجهولة، ألا لعنة الله على الظالمين والقاسية قلوبهم المحرفين لكلام الله -تعالى- الذي أنزل، والطامسين لآياته، اللآئي أمر المولى سبحانه أهل الكتاب بذكرها للناس.

فما غفلت عنه قصة قارون التوراتية، وأبانه الله -تعالى-، هو أن قارون وعندما أعلن الثورة على رسول الله -تعالى- موسى عليه السلام، تشابه في أقواله إلى حد ما أقوال فرعون وهامان، وما يظره من قوله -تعالى- من سورة غافر: ( 25 )   فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ ۚ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ.
أن قارون كان قد آذى موسى ورماه بتهم باطلة لا تصح وإحداها أنه كان قد قال: بأن رسول الله -تعالى- موسى ساحر


أم حسبت أخي القارئ أن الله -تعالى- قد خسف بقارون وبداره الأرض فقط لأنه أعلن العصيان على موسى كما تصور التوراة، لا بل لأنه آذى موسى عليه السلام أيما أذية فاتبع أساليب فرعون اللعين وذلك بإثارة الإشاعات الباطلة حول رسول الله موسى عليه الصلاة والسلام، لكي يقلب الناس على موسى وهارون عليهما السلام، وإلا فلماذا جمعه الله -تعالى- مع فروعن وهامان في الأفعال أيضا؟، لو لا أنه كان مثلهما مشابها لهما تماما.
فبالنظر إلى عذاب قارون الذي حكم الله -تعالى- به عليه بأن خسف به وبداره الأرض، والله إنه لعذاب تقشعر منه الأبدان وترتجف له القلوب وتفزع منه الأنفس، ذلك لأن قارون كان لا يختلف عن فرعون في شيء.
والثانية فلا يحسبن أحد أن قصة قارون التوراتي هي القصة الكاملة له، لا إنما ينقصها ما أضاعه أهل الكتاب منها، وأنزل الله -تعالى- في القرآن الكريم.
فمثلا كثيرا ما يحاول أهل الكتاب تصوير بني إسرائيل في عهد موسى عليه السلام، على أنهم كانوا كلهم مؤمنين، وهذا غير صحيح لما ورد في كتاب الله تعالى، في قوله -تعالى-:
( 83 )   فَمَا آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ۚ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ.
سورة يونس.
وفي التوراة، سفر الخروج:
6: 11 ادخل قل لفرعون ملك مصر ان يطلق بني اسرائيل من ارضه
6: 12 فتكلم موسى امام الرب قائلا هوذا بنو اسرائيل لم يسمعوا لي فكيف يسمعني فرعون و انا اغلف الشفتين
..//انتهى//..
وقال أبو جعفر الطبري: وأولى هذه الأقوال عندي بتأويل الآية، القولُ الذي ذكرته عن مجاهد، وهو أن " الذرية " ، في هذا الموضع أريد بها ذُرّية من أرسل إليه موسى من بني إسرائيل، فهلكوا قبل أن يقرُّوا بنبوته لطول الزمان، فأدركت ذريّتهم ، فآمن منهم من ذكر الله ، بموسى.

وإنما قلت : " هذا القولُ أولى بالصواب في ذلك " ، لأنه لم يجر في هذه الآية ذكرٌ لغير موسى، فَلأن تكون " الهاء " ، في قوله : " من قومه " ، من ذكر موسى لقربها من ذكره، أولى من أن تكون من ذكر فرعون ، لبعد ذكره منها، إذ لم يكن بخلاف ذلك دليلٌ ، من خبرٍ ولا نظرٍ..//انتهى//..

لاجظ قوله -تعالى- (إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ ) والضمير واقع على موسى عليه السلام، هذا يعني أن العدد الحقيقي من مؤمنين بني إسرائيل في عهد موسى وهارون، قد كان قليلا مقارنةً بعدد جميع بني إسرائيل، فالمؤمن لا يسمع للسامري اللعين ثم يعبد عجلا من ذهب، وعدد كبير من بني إسرائيل سمع للسامري ووقع في فتنته وخر على وجهه عبادةً للعجل من دون الله -تعالى-، وقال -تعالى-:
( 92 )   ۞ وَلَقَدْ جَاءَكُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ.
البقرة.
وقال أيضا:
( 92 )   ۞ وَلَقَدْ جَاءَكُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ
( 93 )   وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ.
سورة البقرة.

فالمؤمن لا يسمع لشخص ما مجهول عن رسوله المرسل إليه من عند الله -تعالى-، ثم يعبد عجلا أو صنما أو وثنا من دون الله -تعالى- أو أن يأمره ذاك الشخص بأن يجعل لله -تعالى- ندا، والعياذ بالله العلي الكبير.

كما أن المؤمن أيضا لا يشتهي عبادة الأصنام وعبادات الأمم الوثنية وأن يعمل أو يفعل مثلهم، وبنوا إسرائيل قد وقعوا في ذلك من قبل عبادة العجل ، وذلك في قوله -تعالى-:
( 138 )   وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ
( 139 )   إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ
( 140 )   قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَٰهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ.
سورة الأعراف.

لذلك فإن بني إسرائيل عند ما جاوز الله -تعالى- بهم البحر، لم يكونوا كلهم مؤمنين مصدقين لرسول الله موسى عليه السلام، إنما نسبة منهم تعتبر قليلة لو قورنت بعدد بني إسرائيل جميعا أنذاك.
وفي تلك الحالة قد ثبت بأن قارون لم يكن مؤمنا بموسى من الأساس، بل كان لايزال على مذهب فرعون الهالك، ولعل ذلك يكون تفسير أو سببا لعدم عبادته العجل مع الذين سمعوا للسامري وعبدوا العجل الذي صنعه لهم، لأن قارون  كان ثابتا على دين فرعون، كما أنه أيضا كان منافقا، ضف إلى ذلك كان يُكن العداوة والبغضاء لموسى عليه السلام، منذ أن كان هو عاملا في بلاط الفرعون، ولطالما كان شريكا لفرعون والممول له، ويعود السبب في ذلك لرغبة قارون في حكم بني إسرائيل والتسلط عليهم، ولعلي أفصل ذلك في غير هذا الموضوع إن شاء الله -تعالى-، ولكن ما وددت ذكره هنا، أن قارون لم يكن مؤمنا بالأساس، إنما منافق. ثم أنه خرج مع بني إسرائيل عندما جاوز الله -تعالى- بهم البحر، ذلك أنه كان يطمع في حكم بني إسرائيل، فراح يؤذي رسول الله -تعالى- موسى ويدبر له المكائد ويقلب الناس عليه، ومن إحداه أنه اتبع نفس أساليب فرعون وهامان في أذية موسى، وهي بأنه رماه بالسحر وأشاع بين الناس أن موسى عليه السلام إنما هو ساحر وليس رسول من عند الله.
ومعنى قوله -تعالى-: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ).
أي للإشارة إلى أن قارون من سبط موسى عليه السلام تحديدا، أما قوله فبغى عليهم، أي أنه اعتدى على موسى وأخاه هارون ومشايخ سبط موسى عليه السلام، لأن الله سبحانه وتعالى كان قد أوكل أمر بني إسرائيل إلى مشايخ سبط موسى عليه فاستأمنهم على شريعته، بما فيهم موسى بالإضافة إلى هارون وأبنائه ومشايخ السبط، أما قوله -تعالى-: (فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ)، أي أنه اعتدى تحديدا على هذه الفئة بدافع حب السلطة والتسلط والرغبة في الوصول إلى حكم بني إسرائيل ظنا منه بأنه قادر بماله على انتزاع الأمر من موسى عليه السلام.

أعتقد بأن الشبهة قد فُندت بفضل الله -تعالى- ومنته.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آل بيته وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

Share on Google Plus

About Abd ElRahman

لا إله إلا الله محمد رسول الله
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.