صحيح البخاري
كتاب العلم حديث برقم-(114)
حدثنا يحيى بن سليمان قال حدثني ابن وهب قال أخبرني
يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: لما اشتد بالنبي صلى الله
عليه و سلم وجعه قال ( اتئوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا من بعده ) . قال عمر إن
النبي صلى الله عليه و سلم غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا . فاختلفوا وكثر اللغط
قال ( قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع ) . فخرج ابن عباس يقول إن الرزية كل الرزية
ما حال بين رسول الله صلى الله عليه و سلم وبين كتابه.
[ 2888 ، 2997 ، 4168 ، 4169 ، 5345 ، 6932 ]
[ ش ( بكتاب ) ما يكتب عليه . ( كتابا ) فيه بيان لمهمات الأحكام . ( غلبه الوجع ) أي اشتد عليه الألم فلا داعي لأن نكلفه ما يشق عليه والحال أن عندنا كتاب الله . ( حسبنا ) كافينا . ( اللغط ) الجلبة والصياح واصوات مبهمة لا تفهم . ( لا ينبغي ) لا يليق . ( الرزية ) المصيبة . ( ما حال ) وهو اختلافهم ولغطهم ]
شرح الحافظ ابن حجر فتح الباري:
قوله
أخبرني يونس هو بن يزيد قوله عن عبيد الله بن عبد الله أي بن عتبة بن مسعود
قوله
لما اشتد أي قوي
قوله
وجعه أي في مرض موته كما سيأتي وللمصنف في المغازي وللإسماعيلي لما حضرت النبي صلى
الله عليه و سلم الوفاة وللمصنف من حديث سعيد بن جبير أن ذلك كان يوم الخميس وهو قبل
موته صلى الله عليه و سلم بأربعة أيام
قوله
بكتاب أي بأدوات الكتاب ففيه مجاز الحذف وقد صرح بذلك في رواية لمسلم قال ائتوني بالكتف
والدواة والمراد بالكتف عظم الكتف لأنهم كانوا يكتبون فيها
قوله
اكتب هو بإسكان الباء جواب الأمر ويجوز الرفع على الاستئناف وفيه مجاز أيضا أي أمر
بالكتابة ويحتمل أن يكون على ظاهره كما سيأتي البحث في المسألة في كتاب الصلح إن شاء
الله تعالى وفي مسند أحمد من حديث على أنه المامور بذلك ولفظه أمرني النبي صلى الله
عليه و سلم أن اتيه بطبق أي كتف يكتب ما لا تضل أمته من بعده
قوله
كتابا بعد قوله بكتاب فيه الجناس التام بين الكلمتين وأن كانت إحداهما بالحقيقة والأخرى
بالمجاز قوله لا تضلوا هو نفي وحذفت النون في الروايات التي اتصلت لنا لأنه بدل من
جواب الأمر وتعدد جواب الأمر من غير حرف العطف جائز
قوله
غلبه الوجع أي فيشق عليه إملاء الكتاب أو مباشرة الكتابة وكان عمر رضي الله عنه فهم
من ذلك أنه يقتضي التطويل قال القرطبي وغيره ائتوني أمر وكان حق المامور أن يبادر للامتثال
لكن ظهر لعمر رضي الله عنه مع طائفة أنه ليس على الوجوب وأنه من باب الإرشاد إلى الاصلح
فكرهوا أن يكلفوه من ذلك ما يشق عليه في تلك الحالة مع استحضارهم قوله تعالى ما فرطنا
في الكتاب من شيء وقوله تعالى تبيانا لكل شيء ولهذا قال عمر حسبنا كتاب الله وظهر لطائفة
أخرى أن الأولى أن يكتب لما فيه من امتثال أمره وما يتضمنه من زيادة الإيضاح ودل أمره
لهم بالقيام على أن أمره الأول كان على الاختيار ولهذا عاش صلى الله عليه و سلم بعد
ذلك أياما ولم يعاود أمرهم بذلك ولو كان واجبا لم يتركه لاختلافهم لأنه لم يترك التبليغ
لمخالفة من خالف وقد كان الصحابة يراجعونه في بعض الأمور ما لم يجزم بالأمر فإذا عزم
امتثلوا وسيأتي بسط ذلك في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى وقد عد هذا من موافقة عمر
رضي الله عنه واختلف في المراد بالكتاب فقيل كان أراد أن يكتب كتابا ينص فيه على الأحكام
ليرتفع الاختلاف وقيل بل أراد أن ينص على أسامي الخلفاء بعده حتى لا يقع بينهم الاختلاف
قاله سفيان بن عيينة ويؤيده أنه صلى الله عليه و سلم قال في أوائل مرضه وهو عند عائشة
ادعى لي أباك وأخاك حتى اكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل ويأبى الله
والمؤمنون الا أبا بكر أخرجه مسلم وللمصنف معناه ومع ذلك فلم يكتب والأول أظهر لقول
عمر كتاب الله حسبنا أي كافينا مع أنه يشمل الوجه الثاني لأنه بعض افراده والله أعلم
فائدة قال الخطابي إنما ذهب عمر إلى أنه لو نص بما يزيل الخلاف لبطلت فضيلة العلماء
وعدم الاجتهاد وتعقبه بن الجوزي بأنه لو نص على شيء أو أشياء لم يبطل الاجتهاد لأن
الحوادث لا يمكن حصرها قال وإنما خاف عمر أن يكون ما يكتبه في حالة غلبة المرض فيجد
بذلك المنافقون سبيلا إلى الطعن في ذلك المكتوب وسيأتي ما يؤيده في أو اخر المغازي
قوله
ولا ينبغي عندي التنازع فيه اشعار بان الأولى كان المبادرة إلى امتثال الأمر وأن كان
ما اختاره عمر صوابا إذ لم يتدارك ذلك النبي صلى الله عليه و سلم بعد كما قدمناه قال
القرطبي واختلافهم في ذلك كاختلافهم في قوله لهم لا يصلين أحد العصر الا في بني قريظة
فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا وتمسك آخرون بظاهر الأمر فلم يصلوا فما عنف أحدا منهم من
أجل الاجتهاد المسوغ والمقصد الصالح والله أعلم
قوله
فخرج بن عباس يقول ظاهره أن بن عباس كان معهم وأنه في تلك الحاله خرج قائلا هذه المقالة
وليس الأمر في الواقع على ما يقتضيه هذا الظاهر بل قول بن عباس المذكور إنما كان يقوله
عند ما يحدث بهذا الحديث ففي رواية معمر عند المصنف في الاعتصام وغيره قال عبيد الله
فكان بن عباس يقول وكذا لأحمد من طريق جرير بن حازم عن يونس بن يزيد وجزم بن تيميه
في الرد على الرافضي بما قلته وكل من الأحاديث يأتي بسط القول فيه في مكانه اللائق
به الا حديث عبد الله بن عمرو فهو عمدة الباب ووجه رواية حديث الباب أن بن عباس لما
حدث عبيد الله بهذا الحديث خرج من المكان الذي كان به وهو يقول ذلك ويدل عليه رواية
أبي نعيم في المستخرج قال عبيد الله فسمعت بن عباس يقول الخ وإنما تعين حمله على غير
ظاهره لأن عبيد الله تابعي من الطبقة الثانية لم يدرك القصة في وقتها لأنه ولد بعد
النبي صلى الله عليه و سلم بمدة طويلة ثم سمعها من بن عباس بعد ذلك بمدة أخرى والله
أعلم قوله الرزيئة هي بفتح الراء وكسر الزاي بعدها ياء ثم همزة وقد تسهل الهمزة وتشدد
الياء ومعناها المصيبة وزاد في رواية معمر لاختلافهم ولغطهم أي أن الاختلاف كان سببا
لترك كتابة الكتاب وفي الحديث دليل على جواز كتابة العلم وعلى أن الاختلاف قد يكون
سببا في حرمان الخير كما وقع في قصة الرجلين اللذين تخاصما فرفع تعيين ليلة القدر بسبب
ذلك وفيه وقوع الاجتهاد بحضرة النبي صلى الله عليه و سلم فيما لم ينزل عليه فيه وسنذكر
بقية ما يتعلق به في أو اخر السيرة النبويه من كتاب المغازي إن شاء الله تعالى تنبيه قدم حديث على أنه كتب عن النبي صلى الله عليه
و سلم ويطرقه احتمال أن يكون إنما كتب ذلك بعد النبي صلى الله عليه و سلم ولم يبلغه
النهي وثني بحديث أبي هريرة وفيه الأمر بالكتابة وهو بعد النهي فيكون ناسخا وثلث بحديث
عبد الله بن عمرو وقد بينت أن في بعض طرقه إذن النبي صلى الله عليه و سلم له في ذلك
فهو أقوى في الاستدلال للجواز من الأمر أن يكتبوا لأبي شاه لاحتمال اختصاص ذلك بمن
يكون أميا أو أعمى وختم بحديث بن عباس الدال على أنه صلى الله عليه و سلم هم أن يكتب
لأمته كتابا يحصل معه الأمن من الاختلاف وهو لايهم الا بحق
0 التعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.