شبهة المسيح والديانات الوثنية القديمة
الشبهة:
تقول هناك تشابه كبير بين سيرة المسيح عليه الصلاة والسلام الموجودة في الأناجيل وبين الديانات الوثنية القديمة مثل المصرية الفرعونية والميثراوية الفارسية والبوذية والهندوسية والديانة اليونانية القديمة والرومانية
وغيرهم، والجدير بالذكر أن هذه الشبهات من شأنها أن تحوم حول سيرة المسيح الموجودة في القرآن الكريم، وهذا ما يعطي أو يفسح المجال أمام المشككين من الملحدين ليقولوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنسخ سيرة المسيح من الأناجيل والتي هي بدورها مستنسخة مما قبلها من الديانات الوثنية القديمة القائلة بعقيدة الثالوث!
طبعا ولن نخوض في نص الشبهة كثيرا ولكننا سنتطرق إلى بعض الأمور.
تمهيد:
ما هي عقيدة الثالوث في الديانات التي ذكرنا أعلاه؟
باختصار هي القائلة بإله مكون من ثلاثة أقانيم الأقنوم الأول وهو السماوي والأقنوم الثاني وهو الابن والأقنوم الثالث وعادةً إما أن يكون الأم أو أن يكون الروح أو النفخة، ومن جزء من مقالة على وبكيبيديا مايلي:
يؤمن أتباع الهندوسية بثالوث خاص بهم، وهو:
سافستري: الشمس، أي الأب السماوي.
آتي: الابن، وهو النار المنبثقة من الشمس.
فايو: نفخة الهواء، أي الروح.
وهناك أيضاً الثالوث البرهمي الذي ينص على:
براهما: الرب.
فيشنو: المخلّص.
سيفا: المهلك.
وقد جاء في ابتهالات التقي أتنيس: "أيها الأرباب الثلاثة. إعلموا أني اعترف بوجود إله واحد، فأخبروني أيكم الإله الحقيقي لأقرب له نذري وصلاتي؟ فظهرت الآلهة الثلاثة وقالوا له: اعلم يا أيها العابد أنه لا يوجد فرق حقيقي بيننا، وأما ما تراه من ثلاثة فما هو إلا بالشبه أو الشكل، والكائن الواحد الظاهر بالأقانيم الثلاثة هو واحد بالذات.
هذا مجرد لمحة بسيطة ومن أراد التوسع فعليه بكتب متخصصة في هذا المجال، والى الآن كل هذا لا يعنينا وما يعنينا هو أن الأقنوم الثاني من عقيدة التثليث دائما ما يأتي من أم عذراء كما أنه دائما ما يكون الكلمة، وهاتان النقطتان تحديدا هما وجه الشبهة فكلتاهما موجودتان عند الأخوة النصارى وعندنا أيضا، وضف إلى ذلك نقطة ثالثة أيضا وهي الروح.
وشبهة وجه التشابه بين المسيح والوثنيات واقعة على النصارى وملتصقة بهم فمهمى حاول الأخوة النصارى تفنيدها فلا تزال تحيطهم على سبيل المثال فندوا التشابه بين المسيح عليه السلام وكريشنا وأوجدوا له حجة بأن الهندوس هم من أخذ من النصارى ولو سلما بهذا جدلا وغضضنا الطرف عن أن علماء التاريخ والآثار يجمعون على أن الهندوسية كانت قبل النصرانية بقرون فلا يمكننا أن نغض الطرف عن وجه التشابه بين الديانات الوثنية الأخر كالمصرية القديمة واليونانية والمثراوية والبابلية وغيرهم، فإن تفنيد هذه الشبهة لدى النصارى ضرب من المستحيل،
ولكن في المقابل فإن تفنيدها على المسلين لهو أيسر من شربة الماء بإذن الله تعالى وما يميز قوة الرد الإسلامي أنه مهمى وجدنا تشابها أو التباسا كلما كان الموقف أقوى وأكثر بيانا واظهارا للحق.
الرد:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
ثم أما بعد:
أرسل الله سبحانه وتعالى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم رسولا للبشرية قاطبةً وقال سبحانه وتعالى:
28 ) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ.
سورة سبأ.
وقال أيضا:
170 ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا.
سورة النساء.
ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين بمعنى أنه آخر رسول من عند الى جميع البشر والأمم، كان حقا على الله أن ينزل على عبده كتابا يخاطب جميع الأمم على مختلف أعراقهم وأجناسهم ومعتقداتهم، قال تعالى:
87 ) وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ.
سورة الحجر.
6 ) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ
سورة النمل.
والقرآن الكريم كتاب يخاطب الناس في مختلف الأزمنة والأمكنة والملل والنحل.
ولما كان القرآن الكريم خطاب من الله سبحانه وتعالى الى كل عباده على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم، كان حقا على الله بأن يُحكم أسمى ما في الرسالة وهي (لا إله إلا الله)، ويبطل جميع العقائد من غير لا إله إلا الله محمد رسول الله .
وقال الله سبحانه وتعالى:
62 ) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ۚ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
سورة آل عمران.
وقال أيضا:
65 ) قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ ۖ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ
( 66 ) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ.
سورة ص.
هل ترى أخي القارئ القوة والعظمة في إحكام آيات توحيد الله سبحانه وتعالى.
ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أنه أبطل كل عقائد الكفر والإشراك،
على سبيل المثال مثل الديانة الزرادشتية والقائلة بوجود إلهين إثنين إله النور أهورامازدا وجنوده الملائكة وإله الظلام أهرمان وجنوده الشياطين.
وغيرها من الديانات المثنوية.
فكيف نقيم الحجة على أصحاب هذا المعتقد الباطل نقرأ قوله تعالى:
1 ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ.
سورة الأنعام.
كما نرى فإن النور والظلام هما خلقا من خلق الله ولا يوجد شيء اسمه إله النور وآخر إله الظلام.
ونقرأ قوله تعالى:
83 ) أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا.
سورة مريم.
لا يوجد شيء اسمه إله الظلام وجنوده الشياطين فالشياطين خلقا من خلق الله والله سبحانه وتعالى أحاط بكل خلقه.
مثال آخر هناك من يعبد الكواكب مثل الشمس والقمر ونجم الشعرة وما إلى ذلك والعياذ بالله ، ولهذا سنقرأ قوله تعالى:
37 ) وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ۚ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ.
سورة فصلت.
وقال أيضا:
49 ) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَىٰ.
سورة النجم.
وقال أيضا:
54 ) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.
سورة الأعراف.
لاحظ كيف أبطل الله سبحانه وتعالى هذه المعتقدات الضلالية المضلة.
مثال آخر مشركوا مكة عبدوا الملائكة وسموها أسماءا وقالوا بأنهم بنات الله والعياذ بالله فأنزل الله سبحانه وتعالى قوله:
100 ) وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ ۖ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ
( 101 ) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
سورة الأنعام.
وقال أيضا:
29 ) ۞ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذَٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ.
سورة الأنبياء.
الآية الكريمة وفيها تهديد للملائكة.
طبعا نكتفي بهذه الأمثلة ومن أراد التوسع أكثر فعايه بالقرآن الكريم،
وملاحظة هامة أن النور والظلام والشمس والقمر ونجم الشعرة وغيرهم كلهم موجودين في الكون وكلهم مخلوقات خلقهم الله سبحانه وأبطل عباداتهم بأن أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم مخاطبا البشر بأن النور والظلام والشمس والقمر وغيرهم إنما هم من آيات الله سبحانه.
بقية عقيدة قديمة باطلة كانت سببا في ضلال الكثير من شعوب الأرض وهي عقيدة الثالوث القائلة بأن الإله ثلاثة أقانيم الأول وهو السماوي والثاني وهو الابن والثالث وهو الروح أو الصاحبة وما إلى ذلك من ضلال ما أنزل الله به من سلطان.
ولو أنك أخي القارئ بحثت في هذه العقيدة الباطلة على مختلف معتقديها زمانا ومكانا لوجدتها ليست سوى عقيدة واحدة مع اختلاف المسميات وفي بعض الأحيان تختلف الأدوار والأوصاف ولكنها نفسها بإجماع معظم أهل الاختصاص.
والسؤال هنا ما هو الحل لإبطال هذه العقيدة وبيانها للناس على أنها خاطئة مضلة وإقامة الحجة على معتنقيها؟
أن يخلق الله سبحانه وتعالى بشراً من غير أب ومن أم عذراء طاهرة ثم يعلمه الكتاب والحكمة ويؤيده بالروح القدس ويرسله إلى عباده ليقول لهم أنا عبد الله ورسوله.
الله أكبر وهل أقوى منها حجة على البشر لا يوجد.
قال المشركون من معتقدي الثالوث القديم أن الأقنوم الثاني هو ابن الإله واعتقدوا بأنه جاء من أم عذراء وأن له قدرات في إحياء الموتى وشفاء المرضى والعميان وما الى ذلك.
فخلق الله سبحانه وتعالى لهم هذا المخلوق وهو المسيح وجعله وأمه أية من أيآت الله سبحانه وتعالى وأنطقه في مهده فقال المسيح:
30 ) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا.
سورة مريم.
ولأن معتنقي عقيدة الثالوث القديم كانوا يعتقدون بأن الأقنوم الثاني يأتي من أم عذرا،
اصطفى الله خير نساء العالمين وهي مريم والمشهود لها بأنها اطهر نساء العالمين
قال تعالى:
42 ) وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ.
سورة آل عمران.
47 ) قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ.
سورة آل عمران.
والله سبحانه وتعالى جعل عبده المسيح رسولا و أقام المعجزات على يد عبده المسيح مثل إحياء الموتى وشفاء الأعمى والأبرص والأكمه،
وقال تعالى:
48 ) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ
49 ) وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين.َ
سورة آل عمران.
والحاصل أن ما نسبه معتقدي ومعتنقي عقيدة الثالوث لله سبحانه وتعالى قد خلقه الله وجعله أية من أيآته كما جعل الشمس والقمر والظلمات والنور، وقال تعالى:
50 ) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ.
سورة المؤمنون.
وعلى هذا فإن عقيدة الثالوث الوثنية على مختلف أشكالها ومسمياتها هي عقيدة باطلة ما أنزل الله بها من سلطان وما نسبه المشركين لله سبحانه وتعالى فقد أبطله وجعل لهم المسيح آية ورسولا يدعو الى عبادة الله الواحد الأحد.
وفي هذه الحالة فلو دخل شخص من الديانة الهندوسية في الإسلام سيعي جيدا أن لا مكان في دين الإسلام لما يحمل معه من عقائد تثليثية قديمة فما كان يعتقده قد خلقه الله وجعله آية من خلقه.
ولا يمكن لأحد على وجه المعمورة أن يمس عقيدة التوحيد لما فيها من إحكام.
وسننتقل الى نقطة ثانية:
ما سبق معنا كان في بيان ابطال عقيدة التثليث بشكل عام سواء القديمة منها أم الحديثة.
بقي أن نقدم الآيات التي ابطل الله بها عقيدة التثليث النصرانية، وقال الله سبحانه وتعالى:
30 ) وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ.
سورة التوبة.
ولاحظ قوله تعالى (يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ) وهي تبين أن الله سبحانه وتعالى محيط بهم ويعلم أن النصارى يقولون يعقيدة التثليث كما قال الكفار والمشركين بها من قبلهم.
وقال ابن كثير:
وأما ضلال النصارى في المسيح فظاهر ؛ ولهذا كذب الله سبحانه الطائفتين فقال : ( ذلك قولهم بأفواههم ) أي : لا مستند لهم فيما ادعوه سوى افترائهم واختلاقهم ، ( يضاهئون ) أي : يشابهون ( قول الذين كفروا من قبل ) أي : من قبلهم من الأمم ، ضلوا كما ضل هؤلاء..//انتهى//..
وعن ابن عباس قوله: (يضاهئون قول الذين كفروا من قبل)، يقول: قالوا مثل ما قال أهل الأوثان..//انتهى//..
وقال ابن عاشور:
و { الذين كفروا من قبل } هم المشركون : من العرب ، ومن اليونان ، وغيرهم..//انتهى//..
وفي تفسير الطنطاوي:
والأولى من هذين الوجهين أن يكون المراد بالذين كفروا من قبل. جميع الأمم التي ضلت وانحرفت عن الحق، وأشركت مع الله في العبادة آلهة أخرى.
قال صاحب المنار، وقد علمنا من تاريخ قدماء الوثنيين في الشرق والغرب أن عقيدة الابن لله والحلول والتثليث، كانت معروفة عند البراهمة في الهند وفي الصين واليابان وقدماء المصريين وقدماء الفرس.
وهذه الحقيقة التاريخية- والتي بينها القرآن في هذه الآية- من معجزاته لأنه لم يكن يعرفها أحد من العرب ولا ممن حولهم، بل لم تظهر إلا في هذا الزمان»
..//انتهى//..
وقال الله سبحانه وتعالى للنصارى:
171 ) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا
172 ) لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ۚ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا.
سورة النساء.
وقال أيضا:
73 ) لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
( 74 ) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
75 ) مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ
( 76 ) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ۚ وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
77 ) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ.
سورة المائدة.
وقال أيضا:
1 ) قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
( 2 ) اللَّهُ الصَّمَدُ
( 3 ) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ
( 4 ) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ
سورة الإخلاص.
وإلى هنا ونكتفي ونسأل الله أن يحفظ لنا نعمة التوحيد والإسلام وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الشبهة:
تقول هناك تشابه كبير بين سيرة المسيح عليه الصلاة والسلام الموجودة في الأناجيل وبين الديانات الوثنية القديمة مثل المصرية الفرعونية والميثراوية الفارسية والبوذية والهندوسية والديانة اليونانية القديمة والرومانية
وغيرهم، والجدير بالذكر أن هذه الشبهات من شأنها أن تحوم حول سيرة المسيح الموجودة في القرآن الكريم، وهذا ما يعطي أو يفسح المجال أمام المشككين من الملحدين ليقولوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنسخ سيرة المسيح من الأناجيل والتي هي بدورها مستنسخة مما قبلها من الديانات الوثنية القديمة القائلة بعقيدة الثالوث!
طبعا ولن نخوض في نص الشبهة كثيرا ولكننا سنتطرق إلى بعض الأمور.
تمهيد:
ما هي عقيدة الثالوث في الديانات التي ذكرنا أعلاه؟
باختصار هي القائلة بإله مكون من ثلاثة أقانيم الأقنوم الأول وهو السماوي والأقنوم الثاني وهو الابن والأقنوم الثالث وعادةً إما أن يكون الأم أو أن يكون الروح أو النفخة، ومن جزء من مقالة على وبكيبيديا مايلي:
يؤمن أتباع الهندوسية بثالوث خاص بهم، وهو:
سافستري: الشمس، أي الأب السماوي.
آتي: الابن، وهو النار المنبثقة من الشمس.
فايو: نفخة الهواء، أي الروح.
وهناك أيضاً الثالوث البرهمي الذي ينص على:
براهما: الرب.
فيشنو: المخلّص.
سيفا: المهلك.
وقد جاء في ابتهالات التقي أتنيس: "أيها الأرباب الثلاثة. إعلموا أني اعترف بوجود إله واحد، فأخبروني أيكم الإله الحقيقي لأقرب له نذري وصلاتي؟ فظهرت الآلهة الثلاثة وقالوا له: اعلم يا أيها العابد أنه لا يوجد فرق حقيقي بيننا، وأما ما تراه من ثلاثة فما هو إلا بالشبه أو الشكل، والكائن الواحد الظاهر بالأقانيم الثلاثة هو واحد بالذات.
هذا مجرد لمحة بسيطة ومن أراد التوسع فعليه بكتب متخصصة في هذا المجال، والى الآن كل هذا لا يعنينا وما يعنينا هو أن الأقنوم الثاني من عقيدة التثليث دائما ما يأتي من أم عذراء كما أنه دائما ما يكون الكلمة، وهاتان النقطتان تحديدا هما وجه الشبهة فكلتاهما موجودتان عند الأخوة النصارى وعندنا أيضا، وضف إلى ذلك نقطة ثالثة أيضا وهي الروح.
وشبهة وجه التشابه بين المسيح والوثنيات واقعة على النصارى وملتصقة بهم فمهمى حاول الأخوة النصارى تفنيدها فلا تزال تحيطهم على سبيل المثال فندوا التشابه بين المسيح عليه السلام وكريشنا وأوجدوا له حجة بأن الهندوس هم من أخذ من النصارى ولو سلما بهذا جدلا وغضضنا الطرف عن أن علماء التاريخ والآثار يجمعون على أن الهندوسية كانت قبل النصرانية بقرون فلا يمكننا أن نغض الطرف عن وجه التشابه بين الديانات الوثنية الأخر كالمصرية القديمة واليونانية والمثراوية والبابلية وغيرهم، فإن تفنيد هذه الشبهة لدى النصارى ضرب من المستحيل،
ولكن في المقابل فإن تفنيدها على المسلين لهو أيسر من شربة الماء بإذن الله تعالى وما يميز قوة الرد الإسلامي أنه مهمى وجدنا تشابها أو التباسا كلما كان الموقف أقوى وأكثر بيانا واظهارا للحق.
الرد:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
ثم أما بعد:
أرسل الله سبحانه وتعالى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم رسولا للبشرية قاطبةً وقال سبحانه وتعالى:
28 ) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ.
سورة سبأ.
وقال أيضا:
170 ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا.
سورة النساء.
ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين بمعنى أنه آخر رسول من عند الى جميع البشر والأمم، كان حقا على الله أن ينزل على عبده كتابا يخاطب جميع الأمم على مختلف أعراقهم وأجناسهم ومعتقداتهم، قال تعالى:
87 ) وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ.
سورة الحجر.
6 ) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ
سورة النمل.
والقرآن الكريم كتاب يخاطب الناس في مختلف الأزمنة والأمكنة والملل والنحل.
ولما كان القرآن الكريم خطاب من الله سبحانه وتعالى الى كل عباده على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم، كان حقا على الله بأن يُحكم أسمى ما في الرسالة وهي (لا إله إلا الله)، ويبطل جميع العقائد من غير لا إله إلا الله محمد رسول الله .
وقال الله سبحانه وتعالى:
62 ) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ۚ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
سورة آل عمران.
وقال أيضا:
65 ) قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ ۖ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ
( 66 ) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ.
سورة ص.
هل ترى أخي القارئ القوة والعظمة في إحكام آيات توحيد الله سبحانه وتعالى.
ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أنه أبطل كل عقائد الكفر والإشراك،
على سبيل المثال مثل الديانة الزرادشتية والقائلة بوجود إلهين إثنين إله النور أهورامازدا وجنوده الملائكة وإله الظلام أهرمان وجنوده الشياطين.
وغيرها من الديانات المثنوية.
فكيف نقيم الحجة على أصحاب هذا المعتقد الباطل نقرأ قوله تعالى:
1 ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ.
سورة الأنعام.
كما نرى فإن النور والظلام هما خلقا من خلق الله ولا يوجد شيء اسمه إله النور وآخر إله الظلام.
ونقرأ قوله تعالى:
83 ) أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا.
سورة مريم.
لا يوجد شيء اسمه إله الظلام وجنوده الشياطين فالشياطين خلقا من خلق الله والله سبحانه وتعالى أحاط بكل خلقه.
مثال آخر هناك من يعبد الكواكب مثل الشمس والقمر ونجم الشعرة وما إلى ذلك والعياذ بالله ، ولهذا سنقرأ قوله تعالى:
37 ) وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ۚ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ.
سورة فصلت.
وقال أيضا:
49 ) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَىٰ.
سورة النجم.
وقال أيضا:
54 ) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.
سورة الأعراف.
لاحظ كيف أبطل الله سبحانه وتعالى هذه المعتقدات الضلالية المضلة.
مثال آخر مشركوا مكة عبدوا الملائكة وسموها أسماءا وقالوا بأنهم بنات الله والعياذ بالله فأنزل الله سبحانه وتعالى قوله:
100 ) وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ ۖ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ
( 101 ) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
سورة الأنعام.
وقال أيضا:
29 ) ۞ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذَٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ.
سورة الأنبياء.
الآية الكريمة وفيها تهديد للملائكة.
طبعا نكتفي بهذه الأمثلة ومن أراد التوسع أكثر فعايه بالقرآن الكريم،
وملاحظة هامة أن النور والظلام والشمس والقمر ونجم الشعرة وغيرهم كلهم موجودين في الكون وكلهم مخلوقات خلقهم الله سبحانه وأبطل عباداتهم بأن أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم مخاطبا البشر بأن النور والظلام والشمس والقمر وغيرهم إنما هم من آيات الله سبحانه.
بقية عقيدة قديمة باطلة كانت سببا في ضلال الكثير من شعوب الأرض وهي عقيدة الثالوث القائلة بأن الإله ثلاثة أقانيم الأول وهو السماوي والثاني وهو الابن والثالث وهو الروح أو الصاحبة وما إلى ذلك من ضلال ما أنزل الله به من سلطان.
ولو أنك أخي القارئ بحثت في هذه العقيدة الباطلة على مختلف معتقديها زمانا ومكانا لوجدتها ليست سوى عقيدة واحدة مع اختلاف المسميات وفي بعض الأحيان تختلف الأدوار والأوصاف ولكنها نفسها بإجماع معظم أهل الاختصاص.
والسؤال هنا ما هو الحل لإبطال هذه العقيدة وبيانها للناس على أنها خاطئة مضلة وإقامة الحجة على معتنقيها؟
أن يخلق الله سبحانه وتعالى بشراً من غير أب ومن أم عذراء طاهرة ثم يعلمه الكتاب والحكمة ويؤيده بالروح القدس ويرسله إلى عباده ليقول لهم أنا عبد الله ورسوله.
الله أكبر وهل أقوى منها حجة على البشر لا يوجد.
قال المشركون من معتقدي الثالوث القديم أن الأقنوم الثاني هو ابن الإله واعتقدوا بأنه جاء من أم عذراء وأن له قدرات في إحياء الموتى وشفاء المرضى والعميان وما الى ذلك.
فخلق الله سبحانه وتعالى لهم هذا المخلوق وهو المسيح وجعله وأمه أية من أيآت الله سبحانه وتعالى وأنطقه في مهده فقال المسيح:
30 ) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا.
سورة مريم.
ولأن معتنقي عقيدة الثالوث القديم كانوا يعتقدون بأن الأقنوم الثاني يأتي من أم عذرا،
اصطفى الله خير نساء العالمين وهي مريم والمشهود لها بأنها اطهر نساء العالمين
قال تعالى:
42 ) وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ.
سورة آل عمران.
47 ) قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ.
سورة آل عمران.
والله سبحانه وتعالى جعل عبده المسيح رسولا و أقام المعجزات على يد عبده المسيح مثل إحياء الموتى وشفاء الأعمى والأبرص والأكمه،
وقال تعالى:
48 ) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ
49 ) وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين.َ
سورة آل عمران.
والحاصل أن ما نسبه معتقدي ومعتنقي عقيدة الثالوث لله سبحانه وتعالى قد خلقه الله وجعله أية من أيآته كما جعل الشمس والقمر والظلمات والنور، وقال تعالى:
50 ) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ.
سورة المؤمنون.
وعلى هذا فإن عقيدة الثالوث الوثنية على مختلف أشكالها ومسمياتها هي عقيدة باطلة ما أنزل الله بها من سلطان وما نسبه المشركين لله سبحانه وتعالى فقد أبطله وجعل لهم المسيح آية ورسولا يدعو الى عبادة الله الواحد الأحد.
وفي هذه الحالة فلو دخل شخص من الديانة الهندوسية في الإسلام سيعي جيدا أن لا مكان في دين الإسلام لما يحمل معه من عقائد تثليثية قديمة فما كان يعتقده قد خلقه الله وجعله آية من خلقه.
ولا يمكن لأحد على وجه المعمورة أن يمس عقيدة التوحيد لما فيها من إحكام.
وسننتقل الى نقطة ثانية:
ما سبق معنا كان في بيان ابطال عقيدة التثليث بشكل عام سواء القديمة منها أم الحديثة.
بقي أن نقدم الآيات التي ابطل الله بها عقيدة التثليث النصرانية، وقال الله سبحانه وتعالى:
30 ) وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ.
سورة التوبة.
ولاحظ قوله تعالى (يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ) وهي تبين أن الله سبحانه وتعالى محيط بهم ويعلم أن النصارى يقولون يعقيدة التثليث كما قال الكفار والمشركين بها من قبلهم.
وقال ابن كثير:
وأما ضلال النصارى في المسيح فظاهر ؛ ولهذا كذب الله سبحانه الطائفتين فقال : ( ذلك قولهم بأفواههم ) أي : لا مستند لهم فيما ادعوه سوى افترائهم واختلاقهم ، ( يضاهئون ) أي : يشابهون ( قول الذين كفروا من قبل ) أي : من قبلهم من الأمم ، ضلوا كما ضل هؤلاء..//انتهى//..
وعن ابن عباس قوله: (يضاهئون قول الذين كفروا من قبل)، يقول: قالوا مثل ما قال أهل الأوثان..//انتهى//..
وقال ابن عاشور:
و { الذين كفروا من قبل } هم المشركون : من العرب ، ومن اليونان ، وغيرهم..//انتهى//..
وفي تفسير الطنطاوي:
والأولى من هذين الوجهين أن يكون المراد بالذين كفروا من قبل. جميع الأمم التي ضلت وانحرفت عن الحق، وأشركت مع الله في العبادة آلهة أخرى.
قال صاحب المنار، وقد علمنا من تاريخ قدماء الوثنيين في الشرق والغرب أن عقيدة الابن لله والحلول والتثليث، كانت معروفة عند البراهمة في الهند وفي الصين واليابان وقدماء المصريين وقدماء الفرس.
وهذه الحقيقة التاريخية- والتي بينها القرآن في هذه الآية- من معجزاته لأنه لم يكن يعرفها أحد من العرب ولا ممن حولهم، بل لم تظهر إلا في هذا الزمان»
..//انتهى//..
وقال الله سبحانه وتعالى للنصارى:
171 ) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا
172 ) لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ۚ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا.
سورة النساء.
وقال أيضا:
73 ) لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
( 74 ) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
75 ) مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ
( 76 ) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ۚ وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
77 ) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ.
سورة المائدة.
وقال أيضا:
1 ) قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
( 2 ) اللَّهُ الصَّمَدُ
( 3 ) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ
( 4 ) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ
سورة الإخلاص.
وإلى هنا ونكتفي ونسأل الله أن يحفظ لنا نعمة التوحيد والإسلام وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
0 التعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.