لبزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها

صحيح البخاري حديث برقم-415

حدثنا آدم، قال حدثنا شعبة، قال: حدثنا قتادة، قال: سمعت أنس بن مالك، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها»

فتح الباري:
(قوله باب كفارة البزاق في المسجد)

أورد فيه حديث البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها من حديث أنس بإسناده الماضي في الباب قبله سواء ولمسلم التفل بدل البزاق والتفل بالمثناة من فوق أخف من البزاق والنفث بمثلثة آخره أخف منه قال القاضي عياض إنما يكون خطيئة إذا لم يدفنه وأما من أراد دفنه فلا ورده النووي فقال هو خلاف صريح الحديث قلت وحاصل النزاع أن هنا عمومين تعارضا وهما قوله البزاق في المسجد خطيئة وقوله وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فالنووي يجعل الأول عاما ويخص الثاني بما إذا لم يكن في المسجد والقاضي بخلافه يجعل الثاني عاما ويخص الأول بمن لم يرد دفنها وقد وافق القاضي جماعة منهم بن مكي في التنقيب والقرطبي في المفهم وغيرهما ويشهد لهم ما رواه أحمد بإسناد حسن من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا قال من تنخم في المسجد فليغيب نخامته أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه وأوضح منه في المقصود ما رواه أحمد أيضا والطبراني بإسناد حسن من حديث أبي أمامة مرفوعا قال من تنخع في المسجد فلم يدفنه فسيئة وإن دفنه فحسنة فلم يجعله سيئة إلا بقيد عدم الدفن ونحوه حديث أبي ذر عند مسلم مرفوعا قال ووجدت في مساوي أعمال أمتي النخاعة تكون في المسجد لا تدفن قال القرطبي فلم يثبت لها حكم السيئة لمجرد إيقاعها في المسجد بل به وبتركها غير مدفونة انتهى وروى سعيد بن منصور عن أبي عبيدة بن الجراح أنه تنخم في المسجد ليلة فنسي أن يدفنها حتى رجع إلى منزله فأخذ شعلة من نار ثم جاء فطلبها حتى دفنها ثم قال الحمد لله الذي لم يكتب علي خطيئة الليلة فدل على أن الخطيئة تختص بمن تركها لا بمن دفنها وعلة النهي ترشد إليه وهي تأذي المؤمن بها ومما يدل على أن عمومه مخصوص جواز ذلك في الثوب ولو كان في المسجد بلا خلاف وعند أبي داود من حديث عبد الله بن الشخير أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فبصق تحت قدمه اليسرى ثم دلكه بنعله إسناده صحيح وأصله في مسلم والظاهر أن ذلك كان في المسجد فيؤيد ما تقدم وتوسط بعضهم فحمل الجواز على ما إذا كان له عذر كأن لم يتمكن من الخروج من المسجد والمنع على ما إذا لم يكن له عذر وهو تفصيل حسن والله أعلم وينبغي أن يفصل أيضا بين من بدأ بمعالجة الدفن قبل الفعل كمن حفر أولا ثم بصق وأورى وبين من بصق أولا بنية أن يدفن مثلا فيجرى فيه الخلاف بخلاف الذي قبله لأنه إذا كان المكفر إثم إبرازها هو دفنها فكيف يأثم من دفنها ابتداء وقال النووي

 قوله كفارتها دفنها قال الجمهور يدفنها في تراب المسجد أو رمله أو حصبائه وحكى الروياني أن المراد بدفنها إخراجها من المسجد أصلا قلت الذي قاله الروياني يجري على ما يقول النووي من المنع مطلقا وقد عرف ما فيه تنبيه قوله في المسجد ظرف للفعل فلا يشترط كون الفاعل فيه حتى لو بصق من هو خارج المسجد فيه تناوله النهي والله أعلم


إذا كان في الصلاة لكن التعليل المتقدم بأذى المسلم يقتضي المنع في جدار المسجد مطلقا ولو لم يكن في صلاة فيجمع بأن يقال كونه في الصلاة أشد إثما مطلقا وكونه في جدار القبلة أشد إثما من كونه في غيرها من جدر المسجد فهي مراتب متفاوتة مع الاشتراك في المنع قوله فإن عن يمينه ملكا تقدم أن ظاهره اختصاصه بحالة الصلاة فإن قلنا المراد بالملك الكاتب فقد استشكل اختصاصه بالمنع مع أن عن يساره ملكا آخر وأجيب باحتمال اختصاص ذلك بملك اليمين تشريفا له وتكريما هكذا قاله جماعة من القدماء ولا يخفى ما فيه وأجاب بعض المتأخرين بأن الصلاة أم الحسنات البدنية فلا دخل لكاتب السيئات فيها ويشهد له ما رواه بن أبي شيبة من حديث حذيفة موقوفا في هذا الحديث قال ولا عن يمينه فإن عن يمينه كاتب الحسنات وفي الطبراني من حديث أبي أمامة في هذا الحديث فإنه يقوم بين يدي الله وملكه عن يمينه وقرينه عن يساره اه فالتفل حينئذ إنما يقع على القرين وهو الشيطان ولعل ملك اليسار حينئذ يكون بحيث لا يصيبه شيء من ذلك أو أنه يتحول في الصلاة إلى اليمين والله أعلم قوله فيدفنها قال بن أبي جمرة لم يقل يغطيها لأن التغطية يستمر الضرر بها إذ لا يأمن أن يجلس غيره عليها فتؤذيه بخلاف الدفن فإنه يفهم منه التعميق في باطن الأرض وقال النووي في الرياض المراد بدفنها ما إذا كان المسجد ترابيا أو رمليا فأما إذا كان مبلطا مثلا فدلكها عليه بشيء مثلا فليس ذلك بدفن بل زيادة في التقذير قلت لكن إذا لم يبق لها أثر البتة فلا مانع وعليه يحمل قوله في حديث عبد الله بن الشخير المتقدم ثم دلكه بنعله وكذا قوله في حديث طارق عند أبي داود وبزق تحت رجله ودلك فائدة قال القفال في فتاويه هذا الحديث محمول على ما يخرج من الفم أو ينزل من الرأس أما ما يخرج من الصدر فهو نجس فلا يدفن في المسجد اهـ وهذا على اختياره لكن يظهر التفصيل فيما إذا كان طرفا من قيء وكذا إذا خالط البزاق دم والله أعلم
Share on Google Plus

About Abd ElRahman

لا إله إلا الله محمد رسول الله
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.