لماذا كل شخص يعتقد أن دينه هو الصحيح

أي دين هو الدين الصحيح على سبيل المثال فلان من الناس ولد مسلم وآخر ولد نصراني وآخر يهودي وغيره بوذي، ضف إلى ذلك هناك عدد أشبه ما يكون هائلا من الأديان الموجودة على وجه المعمورة في القديم والحديث، والمصيبة في ذلك هي ما يعتقده المرئ المولود على دينه على أنه هو الدين الصحيح وما بتقى من دونه هو الكفر والفجور والضلال!
لذلك أفيدونا وأخبرونا أي الدين هو الصحيح والذي يمكن للمرئ أن يتبعه بطمأنينة؟

الرد:
أولا وقبل البدء ينبغي علينا أن نضرب مثلا بسيطا ها هنا، افرض جدلا أخي القارئ أنك كنت أنت وأربعة أشخاص قد أجيريتم



امتحان ما وليكن امتحان لمادة التاريخ مثلا، ثم بعد أن أنهيتموه، جاءك الشخص الأول فقال لك: إني قد أجريت الامتحان ببراعة وشطارة وإني أظن نفسي أنني ناجح فيه!
ثم جاء الثاني فقال مثل قوله والثالث حتى الرابع، ثم حصل وأن أتى شخص خامس فقال لك لقد تواصلت مع استاذ التاريخ القائم على الامتحان، وسألته حول الامتاح والطلبة من منهم ناجح ومن راسب فقال لي أن الخمسة طلاب راسبون جميعا، فسألته كيف ذلك بينما هم قالوا اعتقادا منهم بأنهم ناجحون، فرد الأستاذ قائلا لقد اعتمدت استراتجية التضليل في الأجوبة بحيث قد يبدو الجواب للوهلة الأولى على أنه صحيح، إلا أنه في الوقت نفسه يكون جوابا خاطئ، بحيث لن يستطيع معرفة الجواب الصحيح إلا من كان على علم، فعند ذلك يختار الجواب الصحيح وهو على بينة.
اذا ففي تلك الحالة من تصدق؟ هل تصدق الشخص الخامس الذي كان على اتصال بالاستاذ الذي وضع أسئلة الامتحان؟ أم تصدق الأربعة الذين لا علم لهم سوى أنهم يتكلمون رجما بالغيب، فكثير ما يكون المرء في الامتحان معتقدا أنه قد أجاب على الأسئلة بشكل صحيح، بينما يكون قد أجاب بشكل خاطئ، ذلك أن كثير من نماذج الامتحانات قد اعتمدت اساليب تضليل الطالب بحيث لا ينجح إلا الطالب الذي يعرف الأجوبة الصحيحة.

ولعل ذلك المثل قد قرب شرح المسألة نوعا ما.

كذلك كان أجدادنا نحن المسلمين فبعضهم كان يعبد الأصنام والعياذ بالله ، وآخرون كانوا نصارى يعبدون ويشركون مع الله -تعالى- عبده ورسوله المسح عليه الصلاة والسلام، ومنهم من قال أن المسح هو الله والعياذ بالله . كما وكان بعض أجدادنا يهودا مغضوبين قد حمل الله -تعالى- عليهم إصرا قد أشفقت منه الملائكة وكادت السماوات تتفطر وتنشق الأرض لما في ذلك الإصر من غضب ولعنة ذلك لكثرة ما كفروا بالله -تعالى- وجحدوا نعمه وقتلوا أنبياءه وحرفوا كتابه الخ...
كما وكان آخرون من أجدادا على ديانات مختلفة متنوعة منها ما هو وثني ومنها ما هو كتابي ضلالي، حتى أرسل الله -تعالى- رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالبشرى ودين الحق،
وقال الله -تعالى-:
لتوبة - الآية 33 هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.
الفتح - الآية 28 هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا.
الصف - الآية 9 هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.
.....

ثم أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن دعى قومه (وهم كفار ومشركي مكة) الى عبادة الله -تعالى- الواحد ونبذ عبادة الأصنام، مع العلم أن كفار ومشركي مكة كان يعتقدون اعتقادا أشد من اليقين أنهم على حق وأنهم على صراط مستقيم حتى أنهم ولدوا على عبادة الأصنام والأوثان، فلما جائهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبلغهم بأنه رسول من عند الله -تعالى- وقد أنزل الله سبحانه في كتابه ما ينسف عبادة الأصنام نسفا قاطعا، كقوله -تعالى- على لسان إبراهيم:
( 42 )   إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا
( 43 )   يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا.
سورة مريم.

أليس هذا كلاما منطقيا؟ نعم إنه كذلك، فالأصنام عبارة عن حجارة لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع، ومع ذلك كان المشركين وعبدة الأوثان يعتقدون أن تلك الأصنام آلهة من دون الله -تعالى- والعياذ بالله قد كان في معتقدهم أنها ترزق وترسل الأمطار وتنبت الزرع وتحي وتميت وتنصر في الحرب.
أخي القارئ ألا ترى أن القرآن الكريم كتاب مقبول وكلام معقول منطقي، فبينما كان كفار قريش يعبدون الأصنام ويعتقدون اعتقادا قويا أنها آلهة فهم لم يكونوا مستعدين للنقاش والجدال في أمر ألوهية الأوثان والعياذ بالله -تعالى-، حتى أن الله سبحانه وتعالى قد أزل ما يصف تلك الأصنام بأنها ليست سوى أسماء سماها عبدت الأصنام، وقال -تعالى-:
( 23 )   إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ.
سورة النجم.

وها أنا ذا أطرح سوؤالا من بعد أن نقف على رصيف محايد ثم نلقي نظرة بين فريق الكفار وعبدت الأصنام الذين يعبدون حجارة منحوتة لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع،
وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه المؤمنين، الذين يعبدون الله الواحد الأحد والذي هو إله عظيم علي كبير متعال فوق الزمان والمكان ليس بمادة ولا طاقة لا كفوا له ولا مثل له ولا شبيه له ولا ند له،
وجميل ها هنا لو ذكرنا سورة الإخلاص، قاله -تعالى-:
( 1 )   قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
( 2 )   اللَّهُ الصَّمَدُ
( 3 )   لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ
( 4 )   وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ.
سورة الإخلاص.

والآن على اعتبار أننا قد وقفنا على رصيف محايد فمن هو الذي يظهر أنه على الحق وعلى صراط مستقيم وعلى الدين الصحيح؟
 بالتأكيد إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه رضوان الله -تعالى- عليهم.
على الرغم من أن كفار قريش قد ولدوا على عبادة الأصنام وترعرعوا عليها، كما أن عبادة الأصنام والعياذ بالله -نعالى- قد كانت ديانة آبائهم وأجدادهم. لذلك فكفار قريش كانوا يحاجون الرسول صلى الله عليه وسلم على أن هذه ديانة آبائهم وأجدادهم وبأنهم قد ولدوا ونشأوا عليها، ومن أجل ذلك أنزل الله -تعالى- قوله:
( 23 )   وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ
( 24 )   ۞ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ ۖ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ.
سورة الزخرف.

وقال أيضا:
( 170 )   وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ.
سورة البقرة.

وقال أيضا:
( 104 )   وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ.
سورة المائدة.

والآن بقى لنا نقطة أخرى أو بالأحرى سؤالا وهو: لماذا ترك الله سبحانه وتعالى أجداد عبدت الأوثان في ضلالهم؟
وهذا ما لم يحدث فلقد بعث الله -تعالى- في كل أمة رسول من أجل دعوتهم إلى الصراط المستقيم ولكنهم (أي الأقوام السابقة) لطالما كانوا يجحدون ويكفرون ويرفضون ويكذبون رسل الله -تعالى- وقال سبحانه:
( 44 )   ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَىٰ ۖ كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ ۚ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ۚ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ.
سورة المؤمنون.
الآن وقد لاحت الأمور وأشرقت أكثر وضوحاً، والسؤال المطروح ها هنا على اعتبار أننا قد وقفنا على رصيف محايد، هو لو افترض طفلا من كفار قريش قد ولد وآخر من المسلمين ففي تلك الحالة أيهما يكون على الضلال وأيهما يكون على الهداية؟؟
بالتأكيد هو الطفل الذي ولد على دين الإسلام وهدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فالأول أبآئه وأجداده في ضلال مبين فهم عبدت أصنام وحجارة والثاني يعبد الله -تعالى- الواحد الأحد القوي القدير.

فما ذنب ذلك الطفل المولود من أبآء وثنين وعبدت أصنام؟ ذنبه أن الله قد جعل له عقل يفكر به وقلب يؤمن به وسمعا وبصرا، ولكن مع الأسف ما كانوا لستخدوا ما منحهم الله إياه، إنما كانوا دائما يرفضون ويجحدون ويكذبون الرسل,
وقال الله -تعالى-:
 ( 26 )   وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ.
سورة الأحقاف.

- ثم أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو النصارى إلى عبادة الله -تعالى- وتوحيده والتوقف عن عبادة المسيح عليه السلام بعدما ألبسه النصارى ثوبا الألوهية والمسيح بريئ من ذلك كليا.
دعنا نلقي نظرة سريعة على العقيدة النصرانية، وهي بكل بساطة عقيدة الثالوث ما يعني والعياذ بالله -تعالى- أن الإله في اعتقادهم عبارة عن ثلاثة أقانيم اقنوم، ثم يتفرع من النصارى طوائف مختلفة لكل واحدة منهم  اعتقاد تثليثي يختلف عن الطوائف النصرانية الأخرى، على سبيل المثال بعضهم يعتقد أن المسيح ابن الله وآخرون قالوا إنه هو الله والعياذ بالله -تعالى-، كما أن بعضهم قد جعل الروح القدس جبريل عليه السلام أقنوما ثالثا فأشركه بالله -تعالى-.
وهنا قد أخطأ النصارى خطأ فادح حيث أنهم نسبوا لله ولدا أو أنهم أشركوا في عبادته المسيح ك إله آخر والعياذ بالله -تعالى-، فواقع الأمر أنهم لم يختلفوا عن عبدت الأصنام والأوثان سوى أنهم غيروا المسميات فقط، فالنصارى قالوا كما قالت معظم العقائد والديانات الوثنية من قبله، فأكثرهم إن لم يكن جلهم قالوا أن هناك إله سماوي وقد قصدوا بذلك الله -تعالى- ثم جعلو له إما ولدا أو أقنوما آخر فأشركوه في عبادته، ثم راحوا يبنون الهياكل وينحتون من الحجارة تماثيلا فيقولون هذا تمثال الإله السماوي وهو كبير الآله وهذا تمثال لابنه، الذي انبثق عنه من الآلهة فلانة، ثم راحوا يؤلفون أسماءاً، وخذ على مسميات للأصنام كحورس وميثرا وبعل وبوذا وكريشنا، فجميع ها أولاء الأصنام، قال عابدوها: أنهم أبناء الله -تعالى-.
هكذا راحوا يعتقدون بأوهاما ما أنزل الله -تعالى- بها من سلطان، فبكل بساطة هذه هي عقيدة التثليث والتي ألبسها قدماء النصارى على ديانة المسيح عليه الصلاة والسلام، فراحوا يقولون كما قال عبدت الأوثان الذين من قبلهم.
وما نحتاج إليه في تلك الحالة هو قول من عند الإله الحق والذي هو خارج هذا الكون يبصر عباده في أعمالهم ويسمعهم في أقوالهم وهو معهم أينما كانوا وشهيدٌ على ما يفعلون، فإنه في تلك الحالة سبحانه سيخبر النصارى بأنهم تماما مثل عبدت الاصنام يقولون ما كان عبدت الأصنام والأوثان قد قالوه من قبل ويعملون مثلما كانوا يعملونه، بمعنى آخر أن الإله الحق وهو الله -تعالى- سيبعث رسولا يخبر النصارى على لسانه أنكم أيها النصارى قد طابقتم أصحاب الديانات الوثنية في أقوالهم وأفعالهم وماثلتموهم.
وهذا ما حصل حقا، حيث أرسل الله -تعالى- رسوله إلى النصارى ليخبرهم بذلك، وذلك في قوله -تعالى-:
( 77 )   قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ.
سورة المائدة.
وقال أيضا:
( 116 )   وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۖ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ
( 117 )   بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ
( 118 )   وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ ۘ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ۗ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.
سورة البقرة.
وقال أيضا:
(30) - وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ.
سورة التوبة.

وإليك أخي القارئ لاحظ قوله -تعالى-: (كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ ۘ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ) حيث أن تلك الآية الكريمة لا تزال معطوفة على  الآية رقم (116) وهي قوله -تعالى-:(وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) هكذا يكونون النصارى قد قالوا على الله -تعالى- قولا باطلا ما أنزل الله به من سلطان فهم بذلك قد شابهوا الذين من قبلهم وهم أصحاب الديانات الوثنية.
كذلك لاحظ قوله - تعالى- : (يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي أنهم يقولون كما قال أصحاب الديانات الوثنية من قبلهم.

فلو أن المرئ تتبع في تحث صغير حول أصحاب الديانات الوثنية السالفة، لعلم أنهم لا يختلفون عن النصارى إلا بالمسميات، كما يمكن للأخ القارئ البحث فمحتوى الأنترنت قد أغنى عن التوسع في هذا الموضوع ها هنا.

ومن ناحية أخرى فإن تعريف الإله إنما يكون على النحو التالي: الإله واحد أحد في ذاته وليس أقانيم ولا أجزاء ولا شريك له، لم يلد ولم يولد، كما أنه علي متعالىٍ عن الكون بأكمله وما فيه، كما أنه ليس بمادة ولا طاقة، كبير بحيث أن كرسي عرشه قد وسع السماوات والأرض، وفي الوقت ذاته لا يمكن تحجيمه بحجم ولا قياس بمقياس ولا حده بحد فهو مخالف لجميع ما تأتت وتتأتى به أفكار المخلوقات وما حسبته وتحسبه عقولهم من أولهم إلى أخرهم ومن أذكاهم إلى أوسطهم فأقلهم، فهو سبحانه وبكل بساطة قد تعالى عن العقل البشري والملائكي، حتى أنه غيب بالنسبة لعباده من الملائكة، بل إنه إله عظيم تحرق سبحات وجهه الكريم إذا ما أصابت شيء، لذلك قد احتجب بحجاب من نور عظيم ليس كأي نور حتى حجب نور حجابه عن بعض مخلوقاته لأل لا يلهيهم عن عبادته بنور حجابه العظيم، كما أنه عليم قد طال علمه ومعرفته كل شيء في القديم والحديق والآتي متفرد بعلم الغيب وحده، قادر مقتدر بحيث أنه يخلق ما يشاء مما يشاء في ما يشاء فقد سبق له وأن خلق الكون من لا شيء، غني عن كل شيء بحيث استغنى عن الصاحبة والولد، مالك الملك فهو يملك الكون بسماواته و أراضيه بما فيه، حي لا يموت، قوي لا تحد قواه ولا  يهزم جنده فلو أنزل جزءً قليلا منهم لتفطر المساوات ولتصدعت الأرض وما وسعتهم السماوات ومع ذلك فإنه إن غضب على قوم ما لما احتاج إلى جنوده إنما يتفرد بعقاب المغضوبين وحده ولا يحتاج الأمر منه سوى كلمة واحدة وينتهي كل شيء ويكون ذلك عليه هينا سهلا.

هذا كان تعريف سريع للإله، ولا ينطبق هذا التعريف إلا على الله -تعالى-، فلو أن شخص ما جاء ليسقط هذا التعريف على المسيح لعصاه ذلك التعريف أيما معصية.
فالمسيح مخلوق من مادة وعلمه وقوته وقدرته وغناه وكل شيء فيه محدود، ضف إلى ذلك فإنه وبمجر أن ينسب العبد للإله ولدا فيكون ذلك عبارى عن شتيمة لله والعياذ بالله -تعالى- لأن الولادة والإنجاب إنما هي حصر على المخلوقات ولا يتصف الخالق بها فهو متعال عنها، بالإضافة إلى ذلك فإن القائل كقول النصارى فإنما قد شابه بقوله عبدت الأصنام وأصحاب الديانات الوثنية.
فالمسيح ليس إلا رسول قد خلقه الله -تعالى- فإن خلقه الله بلا أب فهذا لا يعني أن الله قد ولد المسيح والعياذ بالله -تعالى-، وأما عن الإعجاز في خلقه فإن خلق آدم عليه السلام أكثر إعجاز فإن خُلق المسيح في رحم أمه فإن آدم خُلق من تراب.
وقال الله سبحانه:
( 17 )   لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
سورة المائدة.
( 2 )   الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا.
سورة الفرقان.
( 116 )   وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۖ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ.
سورة البقرة.
لماذا يتخذ الله سبحانه وتعالى ولدا بينما له ملك السماوات والأرض، ولماذا يبذله فداء للبشر كما قال النصارى بينما أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يبعث رسولا ثم يجعل ذلك الرسول وجيها محبوبا؟
ولو عدنا الآن لنقف على الرصيف المحايد لنرى من هو الذي على الحق هل هم النصارى الذين نسبوا لله -تعالى- ما لا يليق به فجعلوا له ولدا، أم هم المسلمين الموحدين؟
والجواب، فإن الذين على الحق هم المسلمين طبعا.


وماذا عن اليهود؟
اليهود على وجه التحديد يقبعون أو يتربعون على عرش الضلال فهم بعيدون كل البعد عن الصراط المستقيم، فالدين الذي أنزل الله -تعالى- وهو الإله الذي لا إله إلا هو إنما يجب أن يكون لكافة البشر ولا يحق لفرقة ما أن تستفرد به فتقول هذا الدين والكتاب إنما هما لنا وحدنا من دون الناس، على سبيل المثال لا يمكن للمرء أن يعتنق الدين اليهود لأنه في عرف اليهود فاليهود يولد ولا يحق لمن هو غير اليهود أن يكون يهوديا، وهذا هو الضلال الخالص، لأن الله إنما هو إله كل شيء ويملك كل شيء ولا يحيط أحد بملكه شيء، فكيف لمجموعة أو فرقة بأن تتفرد بعبادة هذا الإله العظيم وحدها دون باقي الأمم الذي لا يحصيهم إلا الله -تعالى-، وضف إلى ذلك فإن اليهود قد قتلوا من أنبياء الله أعدادا هائلة لا يعلمها إلا الله -تعالى-.
-----
وسوف نختم بعد الحديث عن هذه النقطة الهامة، وهي أن الله سبحانه وتعالى هو الذي إما أن يهدي العباد إلى صراطه وسبيله أو أن يضلهم عن صراطه ضلالا بعدا، ليس هذا فحسب إنما إذا أضل أمة ما فإنه يزين لهم ضلالهم ولا يذرهم حتى يحعلهم يعتقدون أنفسهم أنه على الحق وأن دينهم هو الدين الحق في حين أنهم يكونون قابعين في دوامة عظيمة من الضلال،
وهو القائل سبحانه:
( 39 )   وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ ۗ مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ.
( 125 )   فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ.
سورة الأنعام.
وقال أيضا:
( 178 )   مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ.
( 186 )   مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ ۚ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ.
سورة الأعراف.
وقال أيضا:
( 115 )   وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
سورة التوبة.
وقال أيضا:
( 27 )   وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ.
سورة الرعد.

ولعلنا قد وصلنا ها هنا إلى لب الجواب عن السؤال المطروح: لماذا كل أصحاب الديانات المختلفة تعتقد نفسها أنها هي التي على الحق والصواب وأن دينها هو الدين الصحيح وباقي الأديان باطلة، ويعود السبب في ذلك أن الله سبحانه وتعالى هو الذي زين لكل أمة عملهم فمنهم من هدى ومنه من أضل ومن أضله الله فلا هادي له، فكيف يكون ذلك إن لم يعتقد صاحب الدين الضال أنه على الدين الحق، ذلك أن الله سبحانه وتعالى قد أضله ضلالا بعيدا،
وقال الله سبحانه:
( 8 )   أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۖ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ.
سورة فاطر.
وقال أيضا:
( 108 )   وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.
سورة الأنعام.
لذلك فإنه من الطبيعي بأن يأتي كل صاحب دين ليدعي أنه هو وحده الذي على الحق وحده وأن دينه هو الدين الصحيح دون غيره من الأديان.

إذا وفي هذا الحالة فإنه لمن الطبيعي أيضا بأن نرى الملحدين واللا دينين يتخذون من تلك العبارة حجة فيقولن كل مولود على دينه يعتقد نفسه أنه صاحب الدين الحق.
وكل هذا سببه أن الله -تعالى- هو الذي أضل الضالين ثم سبتهم على ضلالهم لأل لا يستطيع أحدٌ أن يهديهم إلا هو إن شاء أخرجهم من الظلمات إلى النور. ثم أنه هو الذي هدى المهتدين وثبتهم على هداهم فأخرجهم من الظلمات إلى النور لأل لا يستطيع أحد إضلالهم إلا هو إن شاء أضلهم.

ونختم بقوله -تعالى-:
( 8 )   رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ.
( 9 )   رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَّا رَيْبَ فِيهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ.
سورة آل عمران.

وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما كثيرا.

Share on Google Plus

About Abd ElRahman

لا إله إلا الله محمد رسول الله
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.