صحيح البخاري
كتاب الغسل حديث برقم-(266)
حدثنا أبو الوليد قال حدثنا زائدة عن أبي حصين
عن أبي عبد الرحمن عن علي قال: كنت رجلا مذاء فأمرت رجلا أن يسأل النبي صلى الله عليه
و سلم لمكان ابنته فسأل فقال ( توضأ واغسل ذكرك ).
[ ر 132 ]
[ ش ( رجلا ) هو المقداد
وقيل غيره . ( يسأل النبي ) عن حكمه .
فتح الباري:
قوله حدثنا أبو الوليد هو الطيالسي قوله عن أبي عبد الرحمن
هو السلمي قوله مذاء صيغة مبالغة من المذي يقال مذى يمذى مثل مضى يمضى ثلاثيا ويقال
أيضا أمذى يمذى بوزن أعطى يعطي رباعيا
قوله فأمرت رجلا هو المقداد بن الأسود كما تقدم
في باب الوضوء من المخرجين من وجه آخر وزاد فيه فاستحييت أن أسأل
قوله لمكان ابنته
في رواية مسلم من طريق بن الحنفية عن على من أجل فاطمة رضي الله عنهما
قوله توضأ هذا
الأمر بلفظ الأفراد يشعر بأن المقداد سأل لنفسه ويحتمل أن يكون سأل لمبهم أو لعلي فوجه
النبي صلى الله عليه و سلم الخطاب إليه والظاهر أن عليا كان حاضر السؤال فقد أطبق أصحاب
المسانيد والاطراف على إيراد هذا الحديث في مسند على ولو حملوه على أنه لم يحضر لأوردوه
في مسند المقداد ويؤيده ما في رواية النسائي من طريق أبي بكر بن عياش عن أبي حصين في
هذا الحديث عن على قال فقلت لرجل جالس إلى جنبي سله فسأله ووقع في رواية مسلم فقال
يغسل ذكره ويتوضأ بلفظ الغائب فيحتمل أن يكون سؤال المقداد وقع على الإبهام وهو الأظهر
ففي مسلم أيضا فسأله عن المذي يخرج من الإنسان وفي الموطأ نحوه ووقع في رواية لأبي
داود والنسائي وبن خزيمة ذكر سبب ذلك من طريق حصين بن قبيصة عن على قال كنت رجلا مذاء
فجعلت اغتسل منه في الشتاء حتى تشقق ظهري فقال النبي صلى الله عليه و سلم لا تفعل ولأبي
داود وبن خزيمة من حديث سهل بن حنيف أنه وقع له نحو ذلك وأنه سأل عن ذلك بنفسه ووقع
في رواية للنسائي أن عليا قال أمرت عمارا أن يسأل وفي رواية لابن حبان والإسماعيلي
أن عليا قال سألت وجمع بن حبان بين هذا الاختلاف بان عليا أمر عمارا أن يسأل ثم أمر
المقداد بذلك ثم سأل بنفسه وهو جمع جيد الا بالنسبة إلى آخره لكونه مغايرا لقوله أنه
استحيى عن السؤال بنفسه لأجل فاطمة فيتعين حمله على المجاز بأن بعض الرواة أطلق أنه
سأل لكونه الأمر بذلك وبهذا جزم الإسماعيلي ثم النووي ويؤيد أنه أمر كلا من المقداد
وعمارا بالسؤال عن ذلك ما رواه عبد الرزاق من طريق عائش بن أنس قال تذاكر على والمقداد
وعمار المذي فقال على انني رجل مذاء فاسألا عن ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فسأله
أحد الرجلين وصحح بن بشكوال أن الذي تولى السؤال عن ذلك هو المقداد وعلى هذا فنسبة
عمار إلى أنه سأل عن ذلك محمولة على المجاز أيضا لكونه قصده لكن تولى المقداد الخطاب
دونه والله أعلم واستدل بقوله صلى الله عليه و سلم توضأ على أن الغسل لا يجب بخروج
المذي وصرح بذلك في رواية لأبي داود وغيره وهو إجماع وعلى أن الأمر بالوضوء منه كالأمر
بالوضوء من البول كما تقدم استدلال المصنف به في باب من لم ير الوضوء الا من المخرجين
وحكى الطحاوي عن قوم أنهم قالوا بوجوب الوضوء بمجرد خروجه ثم رد عليهم بما رواه من
طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن على قال سئل النبي صلى الله عليه و سلم عن المذي فقال
فيه الوضوء وفي المني الغسل فعرف بهذا أن حكم المذي حكم البول وغيره من نواقض الوضوء
لا أنه يوجب الوضوء بمجرده
قوله واغسل ذكرك هكذا وقع في البخاري تقديم الأمر بالوضوء
على غسله ووقع في العمدة نسبة ذلك إلى البخاري بالعكس لكن الواو لا ترتب فالمعنى واحد
وهي رواية الإسماعيلي فيجوز تقديم غسله على الوضوء وهو أولى ويجوز تقديم الوضوء على
غسله لكن من يقول بنقض الوضوء بمسه يشترط أن يكون ذلك بحائل واستدل به بن دقيق العيد
على تعين الماء فيه دون الأحجار ونحوها لأن ظاهره يعين الغسل والمعين لا يقع الامتثال
الا به وهذا ما صححه النووي في شرح مسلم وصحح في باقي كتبه جواز الاقتصار الحاقا له
بالبول وحملا للأمر بغسله على الاستحباب أو على أنه خرج مخرج الغالب وهذا المعروف في
المذهب واستدل به بعض المالكية والحنابلة على إيجاب استيعابه بالغسل عملا بالحقيقة
لكن الجمهور نظروا إلى المعنى فإن الموجب لغسله إنما هو خروج الخارج فلا تجب المجاوزة
إلى غير محله ويؤيده ما عند الإسماعيلي في رواية فقال توضأ واغسله فأعاد الضمير على
المذي ونظير هذا قوله من مس ذكره فليتوضأ فإن النقض لايتوقف على مس جميعه واختلف القائلون
بوجوب غسل جميعه هل هو معقول المعنى أو للتعبد فعلى الثاني تجب إن المذي من أجزاء المني
رواية بطهارته وتعقب بأنه لو كان منيا لوجب الغسل منه واستدل به على وجوب الوضوء على
من به سلس المذي للأمر بالوضوء مع الوصف بصيغة المبالغة الدالة على الكثرة وتعقبه بن
دقيق العيد بأن الكثرة هنا ناشئة عن غلبة الشهوة مع صحة الجسد بخلاف صاحب السلس فإنه
ينشأ عن علة في الجسد ويمكن أن يقال أمر الشارع بالوضوء منه ولم يستفصل فدل على عموم
الحكم واستدل به على قبول خبر الواحد وعلى جواز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة
على المقطوع وفيهما نظر لما قدمناه من أن السؤال كان بحضرة على ثم لو صح أن السؤال
كان في غيبته لم يكن دليلا على المدعى لاحتمال وجود القرائن التي تحف الخبر فترقيه
عن الظن إلى القطع قاله القاضي عياض وقال بن دقيق العيد المراد بالاستدلال به على قبول
خبر الواحد مع كونه خبر واحد أنه صورة من الصور التي تدل وهي كثيرة تقوم الحجة بجملتها
لا بفرد معين منها وفيه جواز الاستنابة في الاستفتاء وقد يؤخذ منه جواز دعوى الوكيل
بحضرة موكله وفيه ما كان الصحابة عليه من حرمة النبي صلى الله عليه و سلم وتوقيره وفيه
استعمال الأدب في ترك المواجهة بما يستحيي منه عرفا وحسن المعاشرة مع الاصهار وترك
ذكر ما يتعلق بجماع المرأة ونحوه بحضرة اقاربها وقد تقدم استدلال المصنف به في العلم
لمن استحيى فأمر غيره بالسؤال لأن فيه جمعا بين المصلحتين استعمال الحياء وعدم التفريط
في معرفة الحكم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.