هل إنجيل النصارى الآن هو نفسه الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

عندي سؤالان أريد ان اتطلع فيهما عن المنظور الإسلامي. أولهما: هل يوجد أي آية قرآنية تشير أن الإنجيل الذي آتاه الله عيسى هو تنزيل إملائي و هو نفسه الذي كان يملكه النصارى في وقت القرآن؟ بمعنى: هل من الممكن أن يكون قصد الآيات المذكورة هنا أن الله آتى عيسى بالإنجيل (أي البشارة السارة)، و ليس أن عيسى دونه نصاً، بل الله استأمن عليه من سجلوه نصاً ؟

و السؤال الثاني هو: إن كان عيسى قد أيد و ثبت التوراة، فهل هذا يعني أن التوراة في عصره لم تكن قد حرفت بعد؟



أخي بالنسبة للسؤال الأول، نعم الإنجيل هو كتاب من كتب الله -تعالى- المنزلة وهو كتاب أنزله الله -تعالى- على المسيح عليه الصلاة والسلام، وفي القرآن الكريم دلالة على ذلك في قوله -تعالى-:

( 3 )   نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ
( 4 )   مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ ۗ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ.
[سورة آل عمران].
وقوله -تعالى-:
( 65 )   يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِن بَعْدِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ.
[سورة آل عمران].
وقوله -تعالى-:
( 65 )   وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ
( 66 )   وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ.
[سورة المائدة].
ولاحظ قوله -تعالى-: (وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ) وقوله -تعالى- (وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِن بَعْدِهِ ) دل ذلك على أن الإنجيل كتاب منزل من عند الله -تعالى- وأنه كلامه ووحيه الذي آتاه للمسيح عليه الصلاة والسلام، وقوله -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ ) أيضا.

أما عن سؤالك إن أنزل الله -تعالى- كتابه الإنجيل آيات إملائية ولعلك قصدت أنه نزل جملة واحدة، نعم كتاب الله -تعالى- الإنجيل نزل على المسيح صلى الله عليه وسلم جملة واحدة ولكنه لم ينزل مثل التوراة على شكل ألواح بل أنزله الله -تعالى- على قلب المسيح صلى الله عليه وسلم ثم وبعد أن نزل علم الله -تعالى- المسيح عليه السلام هذا الكتاب العظيم كيف يتدبره ويحاجج به ويدعو به الناس إلى صراط الله -تعالى- المستقيم وعبادته، وقال -تعالى-:
( 110 )   إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ.
[سورة المائدة].
ولاحظ قوله -تعالى- (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ) دل على أن الإنجيل كان منزل على المسيح ثم علمه الله -تعالى- للمسيح عليه السلام، وإلا لما جاء ذكره مقرونا بالتوراة.

والخلاصة أن المسيح عليه الصلاة والسلام وعندما بدئ في محاججة أحبار اليهود الفاسقين الملاعين، كان قد أعده الله -تعالى- نعم الإعداد وهيئه فجهزه نعم التجهيز حتى أصبح المسيح عليه الصلاة والسلام متأهبا لمحاججت كفار اليهود الذين شطوا وضلوا وفسقوا عن أمر الله -تعالى- وشريعته التي أنزلها في توراته المقدسة، فأصبح المسيح عليه السلام مؤيدا من ربه العلي العظيم بالروح القدس وبالمعجزات وبالتوراة وبكتاب جديد منزل عليه من عند الله -تعالى- وهو الإنجيل، على سبيل المثال فعندما سيحاجج المسيح عليه السلام أحبار اليهود وعلمائهم فإنه سيبدئ من كتابهم التوراة فيغلبهم بإذن الله -تعالى- ثم يتلو عليهم ما أنزل الله -تعالى- عليه من الإنجيل فإن تلى المسيح على اليهود الإنجيل فعلى الفور يعرفون أن هذا الإنجيل منزل من عند الله -تعالى- لأن علماء الكتاب يعرفون كلام الله -تعالى- من فور أن يتلى عليهم فكلامه دائما له أسلوب أدبي وخطابي مقدس يطمئن القلب له في الحال، واليهود علموا أن المسيح معه كتاب جديد من عند الله -تعالى- ولكنهم كفروا وجحدوا به حسدا وبغضا وعداوةً. لذا فإن حجة المسيح عليهم كانت كالبرق الصاعق المستعر لأنه كان يحاججهم من كتابين لله -تعالى- التوراة والإنجيل، بينما اليهود لا يملكون إلا كتابا واحدا وهو التوراة.
وعلى ذلك فإن الإنجيل كتاب الله -تعالى- ووحيه المنزل على سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام، والقرآن الكريم يقر بذلك لما جاء من آيات الله -تعالى-.

أما عن سؤالك إن كان الإنجيل الذي أنزله الله -تعالى- على المسيح عليه الصلاة والسلام هو نفسه الذي كان يملكه النصارى عند بعثت رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، نقول ليس بالضرورة أن يكون نفسه فإنجيل المسيح المنزل الصحيح قد فقد منذ القرون الأولى للمسيحية ذلك أن الديانة النصرانية كانت محاربة بشكل غير طبيعي وأعدائها وخصومها وعلى رأسهم اليهود والرومان فأيما علموا بوجود نصرانيا متعبدا حتى ذهبوا وقتلوه فقد قُتل من النصارى المؤمنين الموحدين أعدادا لا يمكن إحصائها وحرقت كتبهم وأسفارهم وضف إلى ذلك أصحاب الأهواء والضلالات الذين تمسحوا بالنصرانية وتطفلوا عليها ثم لحشوا كثيرا من معتقداتهم الوثنية التي لم ينزل الله -تعالى- بها من سلطان وعلى رأسهم الرومان عندما انقلبوا من عبادة الأوثان إلى النصرانية فتنصروا ثم راحوا يناصرون المذاهب النصرانية الضلالية هذا لما عندهم من فساد العقيدة المناسبة لأهوائهم ومعتقداتهم ذلك بإلباثهم ثوبا الألوهية للمسيح وهو بريئ منه برائة الذئب من دم ابن يعقوب عليه السلام،
لذلك أخي فلو أنك عدت بالتاريخ إلى المحافل والمجمعات التي أقامها النصارى وتحديدا مجمع نيقية الأول لوجدت فيه بين المجتمعين أن الموحدين فيه كانوا هم النسبة الساحقة وما تبقى كانوا على عقائد وثنية فاسدة ليس هذا فحسب بل أيضا كانوا مختلفين في العقيدة فيما بينهم، ثم فيما بعد ناصر الرومان أئمة العقائد الباطلة من النصارى وقتلوا وسفكوا دماء كل ما خالفهم، وضف إلى ذلك أيضا الحروب النصرانية النصرانية حيث أن النصارى سفكوا دمائهم وقتلوا أنفسهم لمجرد الإختلاف في العقيدة وبقيت الحروب والخصومات الكنسية مستعرة فيما بين النصارى أنفسهم لزمن طويل هذا وإلى الآن لا يزال الإختلاف فيما بينهم باقٍ فالبروتستانت يعتقدون أن للمسيح طبيعتين إلهية وإنسانية والكاثوليك يخالفونهم فيقولون للمسيح طبيعة إلهية وليس له طبيعة إنسانية وأن البابا يملك صكوك الغفران والشرقيون يكفرون الكاثوليك فيقولون غير أقوالهم، ولولا رحمة الله -تعالى- بهم لرأيت فيما بينهم أنهارا من الدماء بسبب اختلافهم فيما بينهم، فكل هذه الأسباب أدت إلى ضياع الإنجيل الصحيح المنزل من عند الله -تعالى-، وننوه أيضا إلى أنه ومع ذلك فإن بعضا من أقوال المسيح عليه السلام ظلت محفوظة بين البعض بشكل شفوي إلى أن دونت أول نسخة للإنجيل في قرون متأخرة لبعثة المسيح عليه الصلاة والسلام.

لذا فإن الجواب المنطقي عن سؤال هل الإنجيل الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ذاته الإنجيل المنزل على عيسى؟ طبعا ليس نفسه ذلك أن وفد نجران لما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم راحوا يحاججونه بقولهم أن المسيح إله وابن إله فأنزل الله -تعالى- على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، قوله -تعالى-:
( 61 )   فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ.
[سورة آل عمران].
بمعنى أنه أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يدعوهم للمباهلة والملاعنة ولكنهم هربوا وفروا منها ولم يتجرئ منهم أحد على مباهلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في برائة المسيح مما نسبه إليه النصارى من ثوب الألوهية الباطل، وحاصله دل هذا على أنهم وعندما حاججوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم حاججوه مما بين أيدهم من كتبهم التي كتبها من سبقهم من الأقوام الذين ضلوا عن سبيل الله -تعالى- وقد بين الله -تعالى- لهم هذا وذلك في قوله -تعالى-:
( 77 )   قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ.
[سورة المائدة].
دلت الآية الكريمة على أن النصارى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتبعون عقيدة باطلة لم ينزل الله -تعالى- بها من سلطان، وفي الغالب أنهم كانوا يستندون على ذلك لما بين أيديهم  أو بالأحرى لما وصلهم من كتب كتبها النصارى الذين ضلوا من قبلهم ونسبوها كلها بطريقة أو بأخرى للمسيح عليه السلام بلا سلطان مبين ولا سند صحيح ولا تواتر مشهود له معروف، ولو كان الإنجيل الذي بين أيدي النصارى في عهد رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم إنجيلا صحيحا أو أنه نفس الإنجيل المنزل على المسيح عليه الصلاة والسلام، لما أنزل الله -تعالى- في كتابه القرآن الكريم الكثير من الآيات التي بين فيها بطلان عقيدة النصارى بعبده ورسوله المسيح، وعلى رأسها ما اعتقده النصارى بأن المسيح ابن لله والعياذ بالله -تعالى- أو اعتقادهم أنه إله مع الله -تعالى- والعياذ بالله -تعالى- بل أن الله -سبحانه- قد بين بطلان معتقداتهم، كقوله -تعالى-:
( 171 )   يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا.
( 172 )   لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ۚ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا.
[سورة النساء].

وقوله -تعالى-:
( 17 )   لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
( 72 )   لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ.
( 74 )   أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
( 75 )   مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ
[سورة المائدة].

وكثير هي الآيات في كتاب الله -تعالى- حول هذا الموضوع.
ومع ذلك فإن الإنجيل إن كان الذي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الذي بين أيدينا اليوم فلا يوجد به ما يثبت أو يبرهن على ألوهية المسيح عليه الصلاة والسلام، وقوله -تعالى-:
( 47 )   وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ.
[سورة المائدة].
دلت الآية الكريمة على أن حكم الله -تعالى- موجود في هذا الإنجيل وكونه أيضا كتاب مرتبط بما قبله من الكتب كالتوراة وغيرها.

وقوله -تعالى-:
( 68 )   قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ۗ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۖ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.
[سورة المائدة].
دلت الآية هاهنا على أن الإنجيل لا يزال فيه بعضا مما أنزل الله -تعالى- على المسيح عليه الصلاة والسلام.
طبعا ويجب التنويه هاهنا على أمر هام وهو في قوله -تعالى-:
( 3 )   نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ
[سورة آل عمران].
والقصد أن القرآن الكريم أنزله الله -تعالى- مصدقا لما سبقه من الكتب ولعل البعض يتسائل لماذا مصدقا طالما الكتب السابقة محرفة؟ والجواب هذا من حكمة الله -تعالى- أولا لأن هذه الكتب فيها نعت رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم والنصوص التي بشرت بمبعثه ثانيا فيها من التشريعة ما شهد له القرآن الكريم بأنه باقي ليكون حجة على أهل الكتاب.
لذلك فمن حكمة الله -تعالى- أنه لم يذكر في كتابه القرآن الكريم أو ينزل آيات ببطلان هذه الكتب وذلك لأسباب كثيرة من بينها كما ذكرنا في البداية البشارات التي بشرت بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثانيا لا يزال حكمه وتشريعه فيها، ثالثا إن الله -تعالى- يغضبه ارتياب أهل الكتاب وشكهم وارتدادهم عن دينهم إلى الكفر والإلحاد لذلك فلو أنزل في القرآن الكريم ما يتحدث حول هذا الموضوع بشكل مباشر لأدى ذلك إلى ارتياب الكثير من أهل الكتاب وازدايادهم شكا وقد يؤدي ذلك إلى كفرهم بالله -تعالى- وكتبه ورسله ثم إلحادهم، بل إن الله -تعالى- أنزل في القرآن الكريم ما يثبت أهل الكتاب ويزيدهم إيمانا وتصديقا لتخبت قلوبهم ويؤمنوا بالله وكلماته وليكون ذلك باباً يفتح لهم عسى أن تلين قلوبهم فيؤمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم وبالكتاب الذي أنزل معه فيسلموا لله -تعالى- كما أسلمت له كل رسله وأنبياءه وكما أسلم له إبراهيم وموسوى والمسيح ابن مريم صلوات الله وسلمه عليهم ثم يقرأون كتابهم الجديد القرآن الكريم وهو كلام الله -تعالى- الخام الخالص الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال -تعالى-:
( 54 )   وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ.
[سورة الحج].
طبعا الذين أوتوا العلم هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى.
وقال أيضا:
( 199 )   وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۗ أُولَٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ.
[سورة آل عمران].
وقوله -تعالى-:
وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ(144)
[سورة البقرة].

خامسا ليس هذا وقت إصلاح ما ألبثه الضالون في الكتب ولو أراد الله إصلاحها لأرسل فيما فينهم من يصلحها ضف إلى ذلك فهي قد وصلت إلى مرحلة استوجبت إنزال كتاب جديد من عند الله -تعالى- أرأيت نظام الحاسوب إذا ما أصابه العطب كيف يلجئ المرء إلى إعادت تمهيديه هكذا أوصل أهل الكتاب كتبهم لما ألبثوا فيها الحق بالباطل فقد وصلوا إلى مرحلة استدعت إنزال كتاب جديد من عند الله -تعالى- يهيمن على ما سبقه من الكتب ويهدي إلى الحق بإذن الله ويهدي إلى صراط مستقيم، وقد بين الله -تعالى- ذلك في عدت مواضع من كتابه ومنها قوله -تعالى-:
( 15 )   يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ.
[سورة المائدة].
ولاحظ قوله -تعالى- (ويعفو عن كثير)..
لذلك فلا وقت لتفنيد هذه الكتب وإصلاحها بل على العكس إن في إصلاحها لما يزيد الأمر سوءا، وأنسب حل لهذه المعضلة أن يبعث الله -تعالى- رسوله محمد صلى الله عليه وسلم هذا الرسول الذي لطالما درس أهل الكتاب نعته وبشاراته في كتبهم حتى أن قسم كبيرا منهم كان ينتظر مبعثه وإني اقسم بالله -الغظيم- على ذلك.

وضف إلى ذلك أيضا فإن الإشارة بشكل مباشر إلى التحريف وإلباث الحق بالباطل على كامل الكتب السابقة من شأنه يولد الحروب والنزاعات التي لا تولد إلا سفك الدماء والدمار والفساد في الأرض، لذلك اقتضت حكمة الله -تعالى-العظيم- بأن يذكر في كتابه النقاط الهامة ويسكت أو يعفوا عن كثير ويطول الحديث حول ذلك، وكان أفضل شيء بالنسبة لحال أهل الكتاب وكتبهم هو ما حكم الله -تعالى- بحكمته العظيمة ومن أحكم من الله سبحانه ذلك بأنه أنزل ما يثبتهم ويدعوهم إلى دينه الإسلام العظيم دين إبراهيم وإسحاق ويعقوب (إسرائيل) وإسماعيل والأسباط وموسى والمسيح والأسباط ودين أنبياء الله -تعالى- صلوات الله -تعالى- وسلامه على جميع أنبياءه.
وقال -تعالى-:
( 136 )   قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ
( 137 )   فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ۖ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
( 138 )   صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ
( 139 )   قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ
( 140 )   أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ۗ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.
[سورة البقرة].
وقال أيضا:
( 84 )   قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ
( 85 )   وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ
[سورة آل عمران].
طبعا يطول الحديث حول هذا الموضوع الشائك.


-أما بالنسبة إلى سؤالك إن كان المسيح قد اطلع على التوراة الصحيحة أم أنها كانت محرفة؟ الجواب وهل أرسل الله -تعالى- إلى بني إسرائيل عبده المسيح رسولا من أولي العزم وأنزل معه كتابا جديدا إلا لأنهم لبثوا الحق بالباطل واستباحوا ما حرم الله -تعالى- وحرفوا وغيروا وبدلوا كثيرا مما أنزل إليهم فالتوراة التي اطلع المسيح عليها المسيح ليست كلها صحيحة.
وتصديق المسيح عليه الصلاة والسلام للتوراة كان مثل تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم للتوراة والإنجيل بمعنى تصديق معنوي وليس تصديق كلي، فالمسيح عليه السلام صدق لليهود التوراة ومع ذلك كفروا به وجحدوا نبوته فكيف به لو قال لهم بأن توراتهم محرفة، ثانيا وكيف لا يصدقها وفيها البشارة التي جاءت بمبعثه ومبعث أخيه محمدا من بعده. كذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أنزل الله -تعالى- عليه ما يصدق لأهل الكتاب التوراة والإنجيل ومع ذلك كفروا بنبوته ورسالته وبالكتاب الذي أنزل معه.

والحديث حول هذا الموضوع طويل وشائك ونسأل الله -تعالى- الصراط المستقيم وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آل بيته وصحبه وسلم تسليما كثيرا.





  


Share on Google Plus

About Abd ElRahman

لا إله إلا الله محمد رسول الله
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.