الرد على شبهة الإسراء والمعراج

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
أما بعد:
الرد على شبهة الإسراء والمعراج
سأحاول في الاختصار في هذا الموضوع وتبسيطه على قدر المستطاع

قال تعالى:
( 1 )   سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
[سورة الإسراء].



هذه الآية الكريمة من سورة الإسراء تثبت إسراء النبي صلى الله عليه وسلم، أما الآية التي تبين وتثبت معراجه عليه الصلاة والسلام فهي في قوله -تعالى-:
( 13 )   وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ
( 14 )   عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ
( 15 )   عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ
( 16 )   إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ
( 17 )   مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ
( 18 )   لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ.
[سورة النجم].

وهنا الآيات تبين وتدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد عرج به إلى سدرة المنتهى.

فما دل عليه القرآن والسنة قد بين بأن الرسول عليه الصلاة والسلام قد أُسري وعُرج به جسدا وروحا، ولو كان ذلك محل اختلاف بعض العلماء.
المهم دعنا ندخل في الرد:
ودعنا نمهد للشرح قليلا، ولو سألنا سؤوالا: متى يبدأ العبد يستشكل حادثة الإسراء والمعراج؟
والجواب هو: يبدأ العبد باستشكال حادثة الإسراء والمعراج عندما يباشر في  قياس الحادثة بناء على قوته وقدراته هو، فالإنسان يظلم نفسه عندما يظن نفسه بأن علمه وقوته وقدراته هي منتهى الحدود.
وما يزيد الطين بلة هو عندما يأتي شخص يعتبر نفسه عالما فطنا بينما هو في حقيته جاهل، يأتي لينكر حادثة الإسراء والمعراج معتبرا بأنها لا تطابق العقل ولا المنطق ولا العلم!

وقبل أن أعطيك الزبدة أخي القارئ عليك أن تعلم بأن القرآن الكريم ليس كأي كتاب عادي يمكن نقده ذلك أنه من لدن حكيم عليم خبير،
وقال الله سبحانه يمدح كتابه:
( 41 )   إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ
( 42 )   لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ.
[سورة فصلت].


لا نزال في التمهيد، والآن لنحاول تلخيص الكون الذي نعيش فيه أو تعريفه بشكل بسيط، حيث أن الكون يتألف من أهم عنصرين أو عاملين رئيسسين هما الطاقة والمادة مع العلم أن كلاهما متساويان بمعنى أن المادة يمكن تحويلها إلى طاقة وبالعكس، ثم إن هذين العاملين الرئيسيين يحكمهما القوانين التي خلقها الله سبحانه وتعالى في هذا الكون الشاسع كالجاذبية والسرعة والزمان والمكان والكثافة والكمية والكتلة والقدرة والقوة والحركة والدوران وغيرهم من قوانين الفيزياء والرياضيات الخ..
وقال -تعالى-:
( 49 )   إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ.
[سورة القمر].
وهنا أتينا إلى النقطة التي مهدنا لأجلها وهي في الفقرة التالية:
لابد لهذا الكون الشاسع الذي يتحرك بإحكام وما يتخلله من مادة وطاقة وقوانين فيزيائية، لا بد له من إله له متعالى عنه وفوقه لابد له من إله أحدثه فخلقه ثم ألزمه بقوانين معينة معلومة له بشكل مسبق فأحكمه عن علم وحكمة،
وهذا الإله الذي خلق هذا الكون ثم أحكمه هو الله الحي القيوم الواحد الأحد الذي لا إله إلا هو الله الرحمن الرحيم، فما ذكرنا من مواصفات لخالق الكون لا يتصف بها إلا الله -تعالى- الواحد الأحد سبحانه،
وقال -تعالى-:
( 11 )   فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
( 12 )   لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
[سورة الشورى].
وقال أيضا:
( 88 )   قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ.
[سورة المؤمنون].

ولما كان الله سبحانه هو الحي القيوم العلي المتعالي عن جميع خلقه بما في ذلك قوانين الكون (أي لا تحكمه قوانين الكون ولا تسري عليه، فهي خاضعة له مسخرة بأمره) فلما كان متعالى عن كل شيء بمعنى أنه خارج الزمان والمكان ولا تسري  عليه أحكام الكون وقوانينه، لذلك فهو يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد، 
وقال الله سبحانه:
( 54 )   إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.
[سورة الأعراف].

وقال أيضا:
( 189 )   وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
[سورة آل عمران].
وقال أيضا:
( 120 )   لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
[سورة المائدة].
وقال أيضا:
( 2 )   الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا.
[سورة الفرقان].


وهنا وصلنا الآن إلى مفتاح الشبهة والذي سيعجز الكافر بإذن الله -تعالى- والموجود في كلمة واحد ندركها من خلال السؤال التالي:

هل أسرى الرسول عليه الصلاة والسلام أو عرج بنفسه أم أن الله -تعالى- هو الذي أسرى به؟

والجواب: الرسول لم يسري من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وحده ولم يعرج إلى سدرة المنتهى وحده إنما الله العلي الكبير هو الذي أسرى به إلى بيت القدس وأعرج به إلى سدرة المنتهى.

ولو عدنا للآية الكريمة:
( 1 )   سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
[سورة الإسراء].
فإننا سنجد الفعل قد انعكس على الفاعل وهو الله سبحانه وتعالى الذي يخبرنا بأنه هو الذي أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم.
والله الإله العلي الكبير والذي يحكم ما يشاء ويفعل ما يرد القوي العظيم الشديد العلي المتعال الكبير الحق الصمد ذى الطول ذو العرش المجيد الحق المبارك العظيم الجبار المتكبر العزيز الحكيم،
هو الله سبحانه الذي لو شاء لأتى بالأرض إلى سدرة المنتهى في لمح البصر لأنه سبحانه متعال عن كل القوانين يحكم ولا يُحكم يجير ولا يُجار عليه يقضي بالحق ولا يقضى عليه.

لذلك أخي القارئ فإن جاءك الكافر ينكر عليك حادثة الإسراء والمعراج فقل له إن الذي أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم هو الله سبحانه وهو العلي المتعالى عن كل شيء وعن قوانين الكون والخلق أجمعين.
فمن كان متعال عن القوانين والخلق يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ضف إلى ذلك أن الله سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء متى يريد ولا بعجزه شيء،
وقال -تعالى-:

(68) - وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ.
[سورة القصص].

دعني أطرح بعض الأمثلة للتوضيح ولا حرج لو ضربتا مثلا على قط أو هر صغير،
لدينا هر (صغير القطة) هو موجود في الشام، فهل يستطيع ذاك الهر الصغير أن يذهب الى اسبانيا وحده مثلا؟ لا طبعا يبجو الأمر مستحيلا، ولكني أنا يمكن لي أن آخذ به من الشام إلى إسبانيا بكل أريحة وفي غضون ساعات، ذلك أن الإنسان أذكى من القط وأكثر منه قوة ومعرفة وخبرة وحكمة.
كذلك الأمر على جرثوم في مستنبت للبكتيريا في أحد المختبرات(ولا حرج) فهل يستطيع ذاك الحرثوم أن يذهب من مستنبت موجود في مختبر في القاهرة إلى مستنبت آخر موجود في مختبر في أمركا، فهل يستطيع ذاك الجرثوم أو الكائن البكتيري أن يذهب وحده إلى هناك أو أن ينتقل وحده؟ هذا يبجو مستحيلا بالنسبة للجرثوم ولكن طبيب المختبر يستطيع أن يأخذ به من القاهرة الى أمريكا ذلك أن أقوى منه وأذكى منه، إذا فهو يقدر على ذلك بينما الكائن الصغير لا يملك حولا ولا قوة لذلك الأمر.

هذه بعض الأمثلة طرحتها لتقريب فهم الفكرة، ولله المثل الأعلى ولله العزة جميعا.
ولكننا عندما نأتي الى واقعة الإسراء والمعراج، يكون من الخطأ بأن نقيس تلك الواقعة إذا ما قارناها بعقولنا وما توفر لنا من علوم وقوانين فيزيائية ورياضية وما الى ذلك، لأن حادثتي الإسراء والمعراج قد أحدثهما الله تعالى المتعالي عن جميع خلقه والذي خضع كل شيء لأمره بما في ذلك قوانين الكون كلها، لذلك فإن أرد الله لشيء أن يحدث فإن ذلك يكون عليه يسيرا جدا مهما عظم ذاك الأمر عند البشر أو جميع الخلق في حين يكون عند الله يسيرا سهلا سلسا لا يحتاج سوى أن يقول له الله (كن) ألا يكفي أنه خلق من العدم كوننا الذي نعيش به هذا الكون الشاسع.
لذلك فإن حادثتي الإسراء والمعراج حدثتا بأمر من الله تعالى وإذن منه، وهو القائل سبحانه:
(82) - إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
(83) - فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
سورة يس. 
فنحن البشر لا نملك أن نسن أو أن نبتدع أو نوجد قوانين فيزيائية جديدة إنما نأتي إلى ما خلق الله من قوانين فندرسها ثم نبني مشاريعنا عليها في حين أن الله يخلق قوانين جديدة متى يشاء لما أراد، ولو شاء الله -تعالى- لفعل ما يريد بلا قوانين، وعند ذلك سيكون من المحال فهم ما صنع الله تعالى أو فعل أو خلق أو أوجد، لأن العقل البشري قد لا يعي حدوث الأمر إلا إن فهم ما سن الله لذلك الأمر من قوانين بناه عليها.



وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

Share on Google Plus

About Abd ElRahman

لا إله إلا الله محمد رسول الله
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.