التسامح بين الإسلام والنصرانية

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
أما بعد:

دار حوار بيني وبين صديق نصراني، قال فيه النصراني إن دين الإسلام دين قتل وسفك دماء وأنه لا يحض على التسامح ثم راح يشير إلى آيات القتال في القرآن الكريم، ثم قال بأن الإنجيل هو مثال التسامح وتلا على مسامعي منه ما يلي:
إنجيل متى الاصحاح 5: 39: ((سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا. وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ)).

وقال لي هذا هو التسامح فتعلموه!


فقلت له:
ما أثرته حول بعض الآيات من القرآن الكريم وقلت إنها تحض على العنف، كلها أحكام للقتال والدفاع عن النفس وهي محكمة ومضبوطة بدقة وعناية بحيث لا يمكن الاحتيال والالتفاف عليها وإن حصل فبسبب جهل بعض الناس في كتاب الله -تعالى-، وشرحتها له وسأنشرها في غير هذه الموضوع إن شاء الله -تعالى-، ولكن هنا سيكون الرد فقط حول التسامح بشكل منطقي،

ثم رددت عليه بآية من كتاب الله -تعالى-:
(28)   لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.
[سورة المائدة].

وقال أيضا:
(34)   وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.
(35)   وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ.

[سورة فصلت].

وسنتناول الفروق بين هذه الآية الكريمة من القرآن الكريم ونص الإنجيل،
ولا يخفى على الأخ القارئ أن هذا النص من الإنجيل بحد ذاته مخالف لما في الكتاب المقدس بصريح العبارة حيث أن في سفر الخروج من الكتاب المقدس ما هو عكس ذلك ومثال على ذلك:
سفر الخروج:
21: 12 من ضرب انسانا فمات يقتل قتلا
21: 13 ولكن الذي لم يتعمد بل اوقع الله في يده فانا اجعل لك مكانا يهرب اليه
21: 14 وإذا بغى انسان على صاحبه ليقتله بغدر فمن عند مذبحي تأخذه للموت
21: 15 ومن ضرب اباه او امه يقتل قتلا
21: 16 ومن سرق انسانا وباعه او وجد في يده يقتل قتلا
21: 17 ومن شتم اباه او امه يقتل قتلا
21: 18 وإذا تخاصم رجلان فضرب أحدهما الاخر بحجر او بلكمة ولم يقتل بل سقط في الفراش
21: 19 فان قام وتمشى خارجا على عكازه يكون الضارب بريئا الا انه يعوض عطلته وينفق على شفائه
21: 20 وإذا ضرب انسان عبده او امته بالعصا فمات تحت يده ينتقم منه
21: 21 ولكن ان بقي يوما او يومين لا ينتقم منه لأنه ماله
21: 22 وإذا تخاصم رجال وصدموا امرأة حبلى فسقط ولدها ولم تحصل اذية يغرم كما يضع عليه زوج المرأة ويدفع عن يد القضاة
21: 23 وان حصلت اذية تعطي نفسا بنفس
21: 24 وعينا بعين وسنا بسن ويدا بيد ورجلا برجل
21: 25 وكيا بكي وجرحا بجرح ورضا برض
21: 26 وإذا ضرب انسان عين عبده او عين امته فأتلفها يطلقه حرا عوضا عن عينه
21: 27 وإن أسقط سن عبده او سن امته يطلقه حرا عوضا عن سنه
21: 28 وإذا نطح ثور رجلا او امرأة فمات يرجم الثور ولا يؤكل لحمه وأما صاحب الثور فيكون بريئا
21: 29 ولكن ان كان ثورا نطاحا من قبل وقد اشهد على صاحبه ولم يضبطه فقتل رجلا او امرأة فالثور يرجم وصاحبه ايضا يقتل.
..//انتهى//..

ومخالف لما في سفر التثنية:
19: 16 إذا قام شاهد زور على انسان ليشهد عليه بزيغ
19: 17 يقف الرجلان اللذان بينهما الخصومة امام الرب امام الكهنة والقضاة الذين يكونون في تلك الايام
19: 18 فان فحص القضاة جيدا و إذا الشاهد شاهد كاذب قد شهد بالكذب على اخيه
19: 19 فافعلوا به كما نوى ان يفعل بأخيه فتنزعون الشر من وسطكم
19: 20 ويسمع الباقون فيخافون و لا يعودون يفعلون مثل ذلك الامر الخبيث في وسطك
19: 21 لا تشفق عينك نفس بنفس عين بعين سن بسن يد بيد رجل برجل
..//انتهى//..

كما أنه مخالف لما جاء في متى:
7: 12 فكل ما تريدون ان يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم ايضا بهم لان هذا هو الناموس والأنبياء.
..//انتهى//..



كما أنه مخالف لما في سفر اللاويين أيضا:
24: 17 وإذا أمات أحد انسانا فانه يقتل
24: 18 ومن أمات بهيمة يعوض عنها نفسا بنفس
24: 19 وإذا أحدث انسان في قريبه عيبا فكما فعل كذلك يفعل به
24: 20 كسر بكسر وعين بعين وسن بسن كما أحدث عيبا في الانسان كذلك يحدث فيه
24: 21 من قتل بهيمة يعوض عنها ومن قتل إنسانا يقتل
24: 22 حكم واحد يكون لكم الغريب يكون كالوطني إني انا الرب الهكم.
..//انتهى//..

وما يبين ويوضح هذا التناقض ما قاله المسيح عليه الصلاة والسلام في متى أيضا:
5: 17 لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لانقض بل لأكمل.
..//انتهى//..


الآن وبعد ما رأينا كثرة التناقض في الكتاب المقدس وهذا بسبب أن يد البشر تدخلت به وزادت عليه ما لم ينزل الله به من سلطان حتى أن هذا النص الوارد في الإنجيل حول التسامح راح يسبب الكثير من الإحراج لدى النصارى وما أكثر ما فتح النصارى عبر الزمان من حروب سفكوا بها دماء بعضهم بعضا وقتلوا وشردوا من أنفسهم والمسلمين ما عجزت أقلام المؤرخين عن احصائه لكثرته، بعد ما نبذوا نصوص الإنجيل وراء ظهورهم مبينين صراحة أنهم عاجزين عن تطبيقها ولكنهم في المقابل وجدوا أنفسهم بين سطور التوراة عند شرائع الحروب والقتال الآمرة بقتل الظالم وسفك دمه وتعليق الملعون على الخشبة، هكذا كانوا يجدون في كل مرة أنفسهم يعودون إلى شريعة الرب العظيم في توراته والتي أنزل بها الميزان ليعدل بين الناس فيما اختلفوا فيه، نابذين وراء ظهورهم ما قيل أنه قول المسيح حول صفع الخدود، وهذا يدل على تعارض تلك النصوص في متى مع شريعة الله في توراته وكأن أحدهم كره ما أنزل الله في توراته من أحكام تعدل بين الناس فهيئ لإقصائها عبر كلمات تداعب الأحاسيس وتترنم بها المشاعر، أي مشاعر وعاطفة عند ميزان العدل كلها تيبس.

ولهذا فلا بد للآية التي تحض على التسامح وتأمر به، المنزلة على رسل الله من فم الوحي بأن تكون على غير تعارض وتناقض لما قبلها ولا أن توقف حكم التشريع المنزل فعلى سبيل المثال لا يوجد في الكتاب المقدس ما يقر بالنسخ لينسخ الأحكام السابقة بأحكام جديدة أما في القرآن الكريم فهو كتاب ناسخ لما قبله يقر بالنسخ ومع ذلك فإن ما أنزله الله من آيات تحض على التسامح في القرآن الكريم لا تعارض ولا بأي شكل من الأشكال أحكام ما قبلها ولا بعدها فهي أنزلت من لدن عليم خبير،
وبآية من القرآن الكريم، في قوله تعالى:

(28)   لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.
(29)   إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ.
 [سورة المائدة].

وللأخ القارئ أن يحكم بنفسه ويلاحظ فهي أكبر مثال على التسامح فهنا التسامح يكون في طاعة الله وعبادته ثم يأتي بعدها موعظة لترتجف الجبال وتتصدع لما فيها من الحكمة والموعظة الحسنة فهي لا تعارض شريعة وأحكام القصاص لأن الذي أنزل هذه الآية العظيمة هو الذي أنزل أحكام القصاص والميزان ليحكم ويعدل بينن الناس إنه الله -العظيم- إذ لا يعقل أن الله سبحانه وتعالى أرسل الرسل وأنزل الكتب والميزان ليتيح للظالمين تشريع لصفع خدود الأبرياء وسرقتهم وأكل أموالهم بالباطل وفي المقابل يسكت المظلوم ويطلب من الظالم مضاعفة شره هذا لم يعد تسامح بل تشريع لظلم على ظلم وفجور فوق فوق فجور وهو أكثر ما يناسب الحكام الظالمين الجائرين يشيعونه بين الشعوب ليتثنى لهم سرقة الرعية وظلمهم بتشريع من كتاب مقدس.

وقال تعالى:
(134)   الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.

[سورة آل عمران].

وقال -تعالى:
( 25 )   لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ
[سورة الحديد].

وللأخ القارئ أن يلاحظ أيضا كيف أن قوله -تعالى- في سورة المائدة لا يتعارض مع شريعة الكتاب المقدس أيضا لماذا؟ لأن الذي أنزل هذه الآية الكريمة هو نفسه الله الذي أنزل التوراة والإنجيل فما توافق منهما مع كتابه وكلامه صحيح وما تعارض فهو إما منسوخ ومنسي أو باطل ما أنزل الله به من سلطان.

وقال تعالى:
(فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) - البقرة.

(وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14) - التغابن.

وقال أيضا:
ونختم بقوله تعالى:
(213)   كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ.
[البقرة].

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آل بيته وصحبه وسلم

تم بفضل الله -تعالى-.
Share on Google Plus

About Abd ElRahman

لا إله إلا الله محمد رسول الله
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.