الرد على شبهة قال له كن فيكون

قالوا أن القرآن قد أخطأ لغويا في هذه الآية الكريمة: ( 59 )   إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ.
سورة آل عمران.

في الواقع إن ملقي الشبهة ليس إلا ثمة جاهل يدعي الفصاحة وما هو منها، يحاول إظهار نفسه على أنه بالغ مصقع ولسانه مثقول على البراعة اللغوية، وما هو إلا جاهل.




وليعلم أي ممن يحاول تخطأة القرآن لغويا، أن علم النحو بكامله قد اشتق من القرآن الكريم، حيث أن الله -تعالى- قد أنزل القرآن قبل يكون هناك شيء اسمه علم النحو، ثم أوزع الصحابة على إنشاء علم النحو والإعراب والصرف وغيرها من العلوم اللغوية، والتي كلها وبأكملها كانوا الصحابة والذين جاءوا من بعدهم قد وضعوا علم النحو بناء على القرآن الكريم، ما أظهر بوضوح أن القرآن الكريم إنما هو من عند الله -تعالى-، حيث أصبح القرآن الكريم هو الحاكم لعلم النحو والإعراب وجميع قواعد اللغة العربية، وليس العكس.

الرد:
قال -تعالى-:
( 59 )   إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ.
سورة آل عمران.

ركز على تلك الجملة من الآية الكريمة (ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ.)، ستلاحظ أن في هذه الجملة يوجد حدثين لكل منهما زمان، الحدث الأول وهو عندما قال الله -تعالى-: (كن) حيث أن كلمة كن وهي فعل أمر، قد ارتبطت بالفعل (قال) والذي هو فعل ماضي، لذلك فإن الزمان الخاص بكلمة كن قد أعيد للماضي، وفي تلك الحالة فإن الحدث الخاص به كان قد وقع قبل الحدث الثاني والذي هو عندما خُلق عيسى عليه السلام.

فالجملة تدل على زمانين أحدهما وقع قبل الآخر، ولا حرج لو كان الحدث الأول في الماضي والثاني في المضارع، بغية التمييز أو الفصل بين الحدثين.
فكلمة كن دائما تحتل الزمان الأقدم، وعلى العكس تماما، فلو جاءت على النحو التالي: (كن فكان) فإنها في تلك الحالة خطأ للغوي محض، لأن كان فعل ماضي، وكن فعل أمر، ففي تلك الحالة فهي لا تليق بالله -تعالى-، لأنها ستضيع الزمان ولن يستطيع أحد أن يعرف أيهما قبل الآخر كن (كن أم كان) حتى ولو أن كلمة (كن) كانت قد ارتبطت بفعل ماضي مثل قال، كما أن كان وبغض النظر عن أنها فعل ماضي ناقص، إلا أن زمانها يبق ماضي، لذا فإنه منظقيا لا يمكن التميز بين الزمانين بشكل قطعي، خصوصا بهذه الصيغية من الجملة.
أما عندما تأتي بالصيغة التي أنزلها الله -تعالى- في كتابها الكريم على هذا الشكل (ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) أصبح بالإمكان التميز بين الزمانين بشكل محكم ومن دون احتمال شبهات، الفعل (كن) مرتبط بالفعل الماضي (قال) وبالتالي فإن زمان الحدث هو ماضي، في حين أن الفعل (يكون) وهو مضارع فقد أصبح زمان حدثه بعد زمان الحدث الخاص بكلمة (كن).
والحاصل من هذا كله، لكي تعلم أن أمر الله -تعالى- دائما يكون سابقا لوقوع الأحداث. ولا توجد في القرآن الكريم (قال له كن فكان) بهذه الصيغة، ذلك أنها لا تليق بالله.
ولو أردنا صياغتها بالشكل الذي يليق للغويا، فإنها ستكون على النحو التالي:
كان الله قد قال لعيسى كن فكان.
هكذا وبهذا الشكل أصبحت الصيغة مقبولة لغويا فالزمان الأول كان قد حصل ووقع فيه الحدث الفعل أولا، لأن الفعل جاء قبله (قد) التي تفيد بوقوع الحدث أولا، الذي هو (كان قد قال) والذي سبق زمان الحدث الثاني في الجملة والذي هو (كان).
ولكن هذه الصيغة اللغوية ومع أنه تليق كونها صحيحة، إلا أنه ليست أصح من الصيغة المنزلة من عند الله -تعالى- والتي هي (ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)، ذلك أن الله -تعالى- وهو المكون الذي كون الأشياء، فالشي الذي كونه الله -تعالى- كونه ويكونه بشكل مستمر، فالإنسان عندما يخلقه الله -تعالى- يبقى سبحانه يكون فيه ويبدله على مراحل عمره بشكل مستمر، وقال -تعالى-:
( 14 )   ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ.
سورة المؤمنون.

فهذا المخلوق والذي هو الإنسان لا ينفع معه الفعل (كان) في الماضي إنما الذي ينفع هو الفعل (يكون) في المضارع، لأن الله سبحانه وتعالى يخلق ويُكَون الإنسان على مراحل وتكوينه يبقى قائما حتى يُدخل الله -تعالى- عباده المؤمنين الجنة، فيكونهم عند ذلك بالكينونة والصيرورو الأخيرة أو النهائية، أو أن يشاء الله -تعالى- فيبقى يكون في عباده المؤمنين من أجمل إلى أجمل إلى ما يشاء.
كذلك الكافر فإنه سيكون من أسوأ إلى أسوأ إلى مايشاء الله -تعالى-.

ومن ناحية أخرى فإن الآية الكريمة قد دلت وبينت بأن المسيح عليه الصلاة والسلام، سيعيده الله -تعالى- إلى الأرض مرة أخر ثم يزوجه يبيقيه إلى أن يصبح هرما كبيرا في السن ثم يتوفاه ثم  يقبره بجانب أخيه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لذلك كان لابد أن يأتي الفعل بكينونة المضارع عوضا عن كينونة الماضي، للدلالة على ان تكوين الله -تعالى- للمسيح عليه السلام لا يزال قائما.

تماما مثل تكون الله -تعالى- لآدم فإنه كونه شابا قوية البنية جميلا وعندما توفاه الله -تعالى- كان آدم مكون على هيئة العجوز الهرم.
لذلك فإن الفعل يكون من بعد كن لا ينفع بأن يكون كان.
ولا ينفع أن تقال بهذا الشكل: قال له كن فكان. لان الزمانين كان قد وقعا معا، ولا تفيد أيهما كان قبل الآخر قال أم كان.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آل بيته وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

Share on Google Plus

About Abd ElRahman

لا إله إلا الله محمد رسول الله
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.