إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا 170

 صحيح البخاري

كتاب الوضوء حديث برقم-(170)

 حدثنا عبد الله بن يوسف عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال

: إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ( إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا )

 [ ش أخرجه مسلم في الطهارة باب حكم ولوغ الكلب رقم 279


شرح الحافظ ابن حجر فتح الباري:


170 - قوله إذا شرب كذا هو في الموطأ والمشهور عن أبي هريرة من رواية جمهور أصحابه عنه إذا ولغ وهو المعروف في اللغه يقال ولغ يلغ بالفتح فيهما إذا شرب بطرف لسانه أو ادخل لسانه فيه فحركه وقال ثعلب هو أن يدخل لسانه في الماء وغيره
من كل مائع فيحركه زاد بن درستويه شرب أو لم يشرب وقال بن مكي فإن كان غير مائع يقال لعقه وقال المطرزي فإن كان فارغا يقال لحسه وادعى بن عبد البر أن لفظ شرب لم يروه الا مالك وأن غيره رواه بلفظ ولغ وليس كما ادعى فقد رواه بن خزيمة وبن المنذر من طريقين عن هشام بن حسان عن بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ إذا شرب لكن المشهور عن هشام بن حسان بلفظ إذا ولغ كذا أخرجه مسلم وغيره من طرق عنه وقد رواه عن أبي الزناد شيخ مالك بلفظ إذا شرب ورقاء بن عمر أخرجه الجوزقي وكذا المغيرة بن عبد الرحمن أخرجه أبو يعلى نعم وروى عن مالك بلفظ إذا ولغ أخرجه أبو عبيد في كتاب الطهور له عن إسماعيل بن عمر عنه ومن طريقه أورده الإسماعيلي وكذا أخرجه الدارقطني في الموطآت له من طريق أبي علي الحنفي عن مالك وهو في نسخة صحيحه من سنن بن ماجة من رواية روح بن عبادة عن مالك أيضا وكأن أبا الزناد حدث به باللفظين لتقاربهما في المعنى لكن الشرب كما بينا أخص من الولوغ فلا يقوم مقامه ومفهوم الشرط في قوله إذا ولغ يقتضي قصر الحكم على ذلك لكن إذا قلنا أن الأمر بالغسل للتنجيس يتعدى الحكم إلى ما إذا لحس أو لعق مثلا ويكون ذكر الولوغ للغالب وأما الحاق باقي أعضائه كيده ورجله فالمذهب المنصوص أنه كذلك لأن فمه اشرفها فيكون الباقي من باب الأولى وخصه في القديم الأول وقال النووي في الروضة أنه وجه شاذ وفي شرح المهذب أنه القوي من حيث الدليل والاولويه المذكورة قد تمنع لكون فمه محل استعمال النجاسات

قوله في إناء أحدكم ظاهره العموم في الانيه ومفهومه يخرج الماء المستنقع مثلا وبه قال الأوزاعي مطلقا لكن إذا قلنا بان الغسل للتنجيس يجري الحكم في القليل من الباب دون الكثير والإضافة التي في إناء أحدكم يلغي اعتبارها هنا لأن الطهارة لا تتوقف على ملكه وكذا

قوله فليغسله لا يتوقف على أن يكون هو الغاسل وزاد مسلم والنسائي من طريق على بن مسهر عن الأعمش عن أبي صالح وأبي رزين عن أبي هريرة في هذا الحديث فليرقه وهو يقوي القول بان الغسل للتنجيس إذ المراق أعم من أن يكون ماء أو طعاما فلو كان طاهرا لم يؤمر بإراقته للنهي عن إضاعة المال لكن قال النسائي لا أعلم أحدا تابع على بن مسهر على زيادة فليرقه وقال حمزة الكناني أنها غير محفوظه وقال بن عبد البر لم يذكرها الحفاظ من أصحاب الأعمش كأبي معاوية وشعبة وقال بن منده لا تعرف عن النبي صلى الله عليه و سلم بوجه من الوجوه الا عن علي بن مسهر بهذا الإسناد قلت قد ورد الأمر بالإراقة أيضا من طريق عطاء عن أبي هريرة مرفوعا أخرجه بن عدي لكن في رفعه نظر والصحيح أنه موقوف وكذا ذكر الاراقة حماد بن زيد عن أيوب عن بن سيرين عن أبي هريرة موقوفا وإسناده صحيح أخرجه الدارقطني وغيره قوله فليغسله يقتضي الفور لكن حمله الجمهور على الاستحباب الا لمن أراد أن يستعمل ذلك الإناء

قوله سبعا أي سبع مرار ولم يقع في رواية مالك التتريب ولم يثبت في شيء من الروايات عن أبي هريرة الا عن بن سيرين على أن بعض أصحابه لم يذكره وروى أيضا عن الحسن وأبي رافع عند الدارقطني وعبد الرحمن والد السدى عند البزار واختلف الرواة عن بن سيرين في محل غسلة التتريب فلمسلم وغيره من طريق هشام بن حسان عنه اولاهن وهي رواية الأكثر عن بن سيرين وكذا في رواية أبي رافع المذكورة واختلف عن قتادة عن بن سيرين فقال سعيد بن بشير عنه اولاهن أيضا أخرجه الدارقطني وقال أبان عن قتادة السابعه أخرجه أبو داود وللشافعي عن سفيان عن أيوب عن بن سيرين اولاهن أو إحداهن وفي رواية السدي عن البزار إحداهن وكذا في رواية هشام بن عروة عن أبي الزناد عنه فطريق الجمع بين هذه الروايات أن يقال إحداهن مبهمة واولاهن والسابعة معينة وأو أن كانت في نفس الخبر فهي للتخيير فمقتضى حمل المطلق على المقيد أن يحمل على أحدهما لأن فيه زيادة على الرواية المعينه وهو الذي نص عليه الشافعي في الأم والبويطي وصرح به المرعشي وغيره من الأصحاب وذكره بن دقيق العيد والسبكي بحثا وهو منصوص كما ذكرنا وأن كانت أو شكا من الراوي فرواية من عين ولم يشك أولي من رواية من أبهم أو شك فيبقى النظر في الترجيح بين رواية اولاهن ورواية السابعه ورواية اولاهن أرجح من حيث الاكثريه والاحفظيه ومن حيث المعنى أيضا لأن تتريب الاخيره يقتضي الاحتياج إلى غسله أخرى لتنظيفه وقد نص الشافعي في حرملة على أن الأولى أولي والله اعلم وفي الحديث دليل على أن حكم النجاسه يتعدى عن محلها إلى ما يجاورها بشرط كونه مائعا وعلى تنجيس المائعات إذا وقع في جزء منها نجاسه وعلى تنجيس الإناء الذي يتصل بالمائع وعلى أن الماء القليل ينجس بوقوع النجاسة فيه وأن لم يتغير لأن ولوغ الكلب لا يغير الماء الذي في الإناء غالبا وعلى أن ورود الماء على النجاسه يخالف ورودها عليه لأنه أمر بإراقة الماء لما وردت عليه النجاسه وهو حقيقة في اراقة جميعه وأمر بغسله وحقيقته تتأدى بما يسمى غسلا ولو كان ما يغسل به أقل مما أريق فائده خالف ظاهر هذا الحديث المالكية والحنفيه فأما المالكية فلم يقولوا بالتتريب أصلا مع ايجابهم التسبيع على المشهور عندهم لأن التتريب لم يقع في رواية مالك قال القرافي منهم قد صحت فيه الأحاديث فالعجب منهم كيف لم يقولوا بها وعن مالك رواية أن الأمر بالتسبيع للندب والمعروف عند أصحابه أنه للوجوب لكنه للتعبد لكون الكلب طاهرا عندهم وأبدى بعض متأخريهم له حكمة غير التنجيس كما سيأتي وعن مالك رواية بأنه نجس لكن قاعدته أن الماء لا ينجس الا بالتغير فلا يجب التسبيع للنجاسه بل للتعبد لكن يرد عليه قوله صلى الله عليه و سلم في أول هذا الحديث فيما رواه مسلم وغيره من طريق محمد بن سيرين وهمام بن منبه عن أبي هريرة طهور إناء أحدكم لأن الطهارة تستعمل أما عن حدث أو خبث ولا حدث على الإناء فتعين الخبث وأجيب بمنع الحصر لأن التيمم لا يرفع الحدث وقد قيل له طهور المسلم ولان الطهاره تطلق على غير ذلك كقوله تعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم 

وقوله صلى الله عليه و سلم السواك مطهرة للفم والجواب عن الأول بان التيمم ناشيء عن حدث فلما قام ما يطهر الحدث سمي طهورا ومن يقول بأنه يرفع الحدث يمنع هذا الإيراد من أصله والجواب عن الثاني أن ألفاظ الشرع إذا دارت بين الحقيقه اللغويه والشرعيه حملت على الشرعيه الا إذا قام دليل ودعوى بعض المالكية أن المأمور بالغسل من ولوغه الكلب المنهي عن اتخاذه دون المأذون فيه يحتاج إلى ثبوت تقدم النهي عن الاتخاذ عن الأمر بالغسل وإلى قرينة تدل على أن المراد ما لم يؤذن في اتخاذه لأن الظاهر من اللام في قوله الكلب أنها للجنس أو لتعريف الماهيه فيحتاج المدعي أنها للعهد إلى دليل ومثله تفرقة بعضهم بين البدوي والحضري ودعوى بعضهم أن ذلك مخصوص بالكلب الكلب وأن الحكمة في الأمر بغسله من جهة الطب لأن الشارع اعتبر السبع في مواضع منه كقوله صبوا على من سبع قرب قوله من تصبح بسبع تمرات عجوة وتعقب بان الكلب الكلب لا يقرب الماء فكيف يؤمر بالغسل من ولوغه وأجاب حفيد بن رشد بأنه لا يقرب الماء بعد استحكام الكلب منه أما في ابتدائه فلا يمتنع وهذا التعليل وأن كان فيه مناسبة لكنه يستلزم التخصيص بلا دليل والتعليل بالتنجيس أقوى لأنه في معنى المنصوص وقد ثبت عن بن عباس التصريح بان الغسل من ولوغ الكلب بأنه رجس رواه محمد بن نصر المروزي بإسناد صحيح ولم يصح عن أحد من الصحابة خلافه والمشهور عن المالكية أيضا التفرقه بين إناء الماء فيراق ويغسل وبين إناء الطعام فيؤكل ثم يغسل الإناء تعبدا لأن الأمر بالاراقه عام فيخص الطعام منه بالنهي عن إضاعة المال وعورض بان النهي عن الاضاعه مخصوص بالأمر بالاراقه ويترجح هذا الثاني بالإجماع على اراقة ما تقع فيه النجاسه من قليل المائعات ولو عظم ثمنه فثبت أن عموم النهي عن الاضاعه مخصوص بخلاف الأمر بالاراقه وإذا ثبتت نجاسة سؤره كأن أعم من أن يكون لنجاسة عينه أو لنجاسة طارئه كأكل الميتة مثلا لكن الأول أرجح إذ هو الأصل ولأنه يلزم على الثاني مشاركة غيره له في الحكم كالهرة مثلا وإذا ثبت نجاسة سؤره لعينه لم يدل على نجاسة باقيه الا بطريق القياس كان يقال لعابه نجس ففمه نجس لأنه متحلب منه واللعاب عرق فمه وفمه أطيب بدنه فيكون عرقه نجسا وإذا كان عرقه نجسا كان بدنه نجسا لأن العرق متحلب من البدن ولكن هل يلتحق باقي أعضائه بلسانه في وجوب السبع والتتريب أم لا تقدمت الإشارة إلى ذلك من كلام النووي وأما الحنفية فلم يقولوا بوجوب السبع ولا التتريب واعتذر الطحاوي وغيره عنهم بأمور منها كون أبي هريرة راوية أفتي بثلاث غسلات فثبت بذلك نسخ السبع وتعقب بأنه يحتمل أن يكون أفتي بذلك لاعتقاده ندبية السبع لا وجوبها أو كان نسي ما رواه ومع الاحتمال لا يثبت النسخ وأيضا فقد ثبت أنه أفتي بالغسل سبعا ورواية من روى عنه موافقة فتياه لروايته أرجح من رواية من روى عنه مخالفتها من حيث الإسناد ومن حيث النظر أما النظر فظاهر وأما الإسناد فالموافقه وردت من رواية حماد بن زيد عن أيوب عن بن سيرين عنه وهذا من أصح الأسانيد وأما المخالفه فمن رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه وهو دون الأول في القوة بكثير ومنها أن العذرة أشد في النجاسه من سؤر الكلب ولم يقيد بالسبع فيكون الولوغ كذلك من باب الأولى وأجيب بأنه لا يلزم من كونها أشد منه في الاستقذار أن لا يكون أشد منها في تغليظ الحكم وبأنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار ومنها دعوى أن الأمر بذلك كان عند الأمر بقتل الكلاب فلما نهى عن قتلها نسخ الأمر بالغسل وتعقب بان الأمر بقتلها كان في أوائل الهجرة والأمر بالغسل متأخر جدا لأنه من رواية أبي هريرة وعبد الله بن مغفل وقد ذكر بن مغفل أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يأمر بالغسل وكان إسلامه سنة سبع كأبي هريرة بل سياق مسلم ظاهر في أن الأمر بالغسل كان بعد الأمر بقتل الكلاب ومنها الزام الشافعية بايجاب ثمان غسلات عملا بظاهر حديث عبد الله بن مغفل الذي أخرجه مسلم ولفظه فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنه في التراب وفي رواية أحمد بالتراب وأجيب بأنه لا يلزم من كون الشافعية لا يقولون بظاهر حديث عبد الله بن مغفل أن يتركوا هم العمل بالحديث أصلا ورأسا لأن اعتذار الشافعية عن ذلك أن كان متجها فذاك وإلا فكل من الفريقين ملوم في ترك العمل به قاله بن دقيق العيد وقد اعتذر بعضهم عن العمل به بالإجماع على خلافه وفيه نظر لأنه ثبت القول بذلك عن الحسن البصري وبه قال أحمد بن حنبل في رواية حرب الكرماني عنه ونقل عن الشافعي أنه قال هو حديث لم اقف على صحته ولكن هذا لا يثبت العذر لمن وقف على صحته وجنح بعضهم إلى الترجيح لحديث أبي هريرة على حديث بن مغفل والترجيح لا يصار إليه مع إمكان الجمع والأخذ بحديث بن مغفل يستلزم الأخذ بحديث أبي هريرة دون العكس والزياده من الثقة مقبوله ولو سلكنا الترجيح في هذا الباب لم نقل بالتتريب أصلا لأن رواية مالك بدونه أرجح من رواية من اثبته ومع ذلك فقلنا به أخذا بزيادة الثقة وجمع بعضهم بين الحديثين بضرب من المجاز فقال لما كان التراب جنسا غير الماء جعل اجتماعهما في المرة الواحده معدودا باثنتين وتعقبه بن دقيق العيد بان قوله وعفروه الثامنه بالتراب ظاهر في كونها غسله مستقله لكن لو وقع التعفير في أوله قبل ورود الغسلات السبع كانت الغسلات ثمانية ويكون إطلاق الغسله على التتريب مجازا وهذا الجمع من مرجحات تعين التراب في الأولى والكلام على هذا الحديث وما يتفرع منه منتشر جدا ويمكن أن يفرد بالتصنيف ولكن هذا القدر كاف في هذا المختصر والله المستعان 
Share on Google Plus

About Abd ElRahman

لا إله إلا الله محمد رسول الله
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.