الرد على شبهة حول حديث النزل

الرد على شبهة حديث النزول

هل ينزل الله إلى السماء الدنيا؟
كيف ينزل الله تعالى الى السماء الدنيا؟
وإذا نزل الله تعالى إلى السماء الدنيا فهل يخلو العرش منه؟
هل ينزل الله الى السماء الدنيا بذاته أم ينزل أمره ورحمته؟
هل يتعارض نزول الله تعالى الى السماء الدنيا مع اختلاف الوقت والليل والنهار؟
هل يتعارض نزول الله مع حركة دوران الأرض والكواكب؟

كل هذه الأسئلة سأحاول أن أناقشها وأجيب عنها، بإذن الله تعالى.

الرد:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين أما بعد:
وخير فاتحة ردنا مع حديث النزول:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: "من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له".

6547-إذا مضى شطر الليل، أو ثلثاه، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا. فيقول: هل من سائل يعطي، هل من داع يستجاب له، هل من مستغفر يغفر له، حتى ينفجر الصبح.
الراوي: أبو هريرة-خلاصة الدرجة: صحيح -المحدث: مسلم -المصدر: المسند الصحيح -الصفحة أو الرقم: 758

205406 -ينزل الله تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقول: هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له.
الراوي: جبير بن مطعم-خلاصة الدرجة: [أشار في المقدمة أنه صح وثبت بالإسناد الثابت الصحيح] -المحدث: ابن خزيمة -المصدر: التوحيد -الصفحة أو الرقم: 316/1

72614 -إن الله تعالى يمهل حتى إذا كان ثلث الليل الآخر نزل إلى سماء الدنيا فنادى: هل من مستغفر، هل من تائب، هل من سائل، هل من داع، حتى ينفجر الفجر.
الراوي: أبو سعيد الخدري وأبو هريرة -خلاصة الدرجة: صحيح -المحدث: الألباني -المصدر: صحيح الجامع -الصفحة أو الرقم: 1918

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن صحة حديث النزول:
فإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام وأمثاله علانية وبلغه الأمة تبليغا عاما لم يخص به أحدا دون أحد ولا كتمه عن أحد وكانت الصحابة والتابعون تذكره وتأثره وتبلغه وترويه في المجالس الخاصة والعامة واشتملت عليه كتب الإسلام التي تقرأ في المجالس الخاصة والعامة: " كصحيحي البخاري ومسلم " " وموطأ مالك " " ومسند الإمام أحمد " " وسنن أبي داود " والترمذي " " والنسائي " وأمثال ذلك من كتب المسلمين. /انتهى/.
---------

مثال:
خلق الله سبحانه وتعالى هذا الكون الواسع وأحكمه بقوانين كثيرة منها ما نعلمها ومنها ما لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، ومنها قانون الجاذبية مثلاً فالكون كله محكوم به، فنحن نعيش على هذا الكوكب تحكمنا الجاذبية فلو أراد أحدهم أن يقفز فرضا فلن يبلغ إلا مسافة سنتمترات معدودات وقد يكون رياضيا فيقفز مترين ولكنه لن يطير لأنه محكوم بقانون الجاذبية حتى وإن كان رئيس بلد أو ملك أو وزير ومهما بلغت إمكانياته فلن يستطيع أن يقفز لأبعد من متر هل سمعت يوما أن أحدهم قفز ثم طار، لا طبعا لأنه محكوم بقوانين كثيرة. كذلك كل شيء في هذا الكون الواسع يحكمه قانون الجاذبية وقوانين أخرى فالأرض تتبع الشمس والقمر يتبع الاثنتين والصغير ينجذب للكبير،
لماذا؟ لأن الله سبحانه وتعالى هو خالق هذا الكون وهو الذي خلق قانون الجاذبية، وأن هذا القانون بأكمله خاضع لله الواحد القهار.
لقد اختلف الأمر كثير بين المخلوق الذي تحكمه القوانين، وبين الله العظيم حاكم قوانين الكون وخالقه. فالمخلوق خاضع لقانون الجاذبية والإثنين خاضعين كراهية وطواعية لله 
خالق كل شيء ومالكه.

مثال آخر:
لو كنت أعيش في الطابق العاشر وأردت أن أنزل الى الطابق الأرضي فإني في هذه الحالة أحتاج إلى السلم أو الدرج وقد يكون ثمة مصعد كهربائي، باختصار أحتاج الى طريق إلى وسيلة ولكن افرض أني لم أجد واحدة منهن ففي هذه الحالة لن أكون قادرا على النزول لماذا؟ لأني مخلوق محكوم تحكمني في هذه الحياة قوانين خلقها الله سبحانه وتعالى.

فالبشر دائما محكومون بما حكمهم الله به من قوانين ونواميس وأحكام أبدعها الله سبحانه وتعالى وخلقها في هذا الكون الشاسع بعمومه وخصوصه.

فأنا مثلا لو أردت النزول فإني أحتاج وسيلة، ولو أردت الذهاب الى مكان ما فإني كذلك أحتاج الى وسيلة كسيارة أو طائرة وحتى حمارٍ أو حصان وقد أكون في الصحراء فقد أتخذ جملا، وفي حال لم أجد إحداهن فسأبقى حيث أنا مقهورا مغلوبا على أمري لماذا لأني مخلوق تحكمني قوانين خلقها الله سبحانه وتعالى ولا سبيل لخرقها. وهكذا دائما فإننا نحتاج في حياتنا إلى وسائل العيش بشتى أتواعها.

وبعض منها ذكرها الله في كتابه.

قال تعالى:
(5)   وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ
(6)   وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ
(7)   وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ ۚ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ
(8)   وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
(9)   وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ ۚ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ. /النحل/.

ولهذا فإنه لا يجوز ولا يحق لأياً كان أن يقعد ليفصل ويقيس أو أن يساوي بين أفعال الله وصفاته تبارك وتعالى، ثم ليساويها مع المخلوقات (والعياذ بالله)،
فعلى سبيل المثال أنت تسمع والله يسمع ولكن هذا لا يعني بأن تسمع كما يسمع الله (والعياذ بالله) فأنت تسمع في حدود معينة، والله يسمع ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما.
أنت تعلم والله يعلم، أنت تعلم في حدود معينة ولكن الله يعلم ما في السماوات والأرض وما بينهما وما في أنفس العباد وفي صدورهم يعلم كل شيء.

قال تعالى:
{لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(284) –البقرة}
وقال أيضا:
{قُلْ إِن تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(29) آل عمران}
وقال أيضا:
{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(189) –آل عمران}.
وقال سبحانه وتعالى:
{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ۚ ذَٰلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(97) المائدة}.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، في كتابه شرح حديث النزول:
من فهم من هذا الحديث وأمثاله ما يجب تنزيه الله عنه كتمثيله بصفات المخلوقين ووصفه بالنقص المنافي لكماله الذي يستحقه; فقد أخطأ في ذلك وإن أظهر ذلك منع منه وإن زعم أن الحديث يدل على ذلك ويقتضيه فقد أخطأ أيضا في ذلك. فإن وصفه سبحانه وتعالى في هذا الحديث بالنزول هو كوصفه بسائر الصفات; كوصفه بالاستواء إلى السماء وهي دخان ووصفه بأنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ووصفه بالإتيان والمجيء في مثل قوله تعالى: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة} وقوله: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك} وقوله: {وجاء ربك والملك صفا صفا} وكذلك قوله تعالى: {خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش} وقوله: {والسماء بنيناها بأيد}. وقوله: {الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء} وقوله: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه} وأمثال ذلك من الأفعال التي وصف الله تعالى بها نفسه التي تسميها النحاة أفعالا متعدية وهي غالب ما ذكر في القرآن أو يسمونها لازمة لكونها لا تنصب المفعول به بل لا تتعدى إليه إلا بحرف الجر: كالاستواء إلى السماء وعلى العرش والنزول إلى السماء الدنيا ونحو ذلك. فإن الله وصف نفسه بهذه الأفعال. ووصف نفسه بالأقوال اللازمة والمتعدية في مثل قوله: {وإذ قال ربك للملائكة} وقوله: {وكلم الله موسى تكليما} وقوله تعالى: {وناداهما ربهما} وقوله: {ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين} وقوله: {والله يقول الحق وهو يهدي السبيل} وقوله: {الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا} وقوله: {الله نزل أحسن الحديث} وقوله: {وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا} وقوله: {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا} وقوله: {ولقد صدقكم الله وعده}. وكذلك وصف نفسه بالعلم والقوة والرحمة; ونحو ذلك كما في قوله: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} وقوله: {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} وقوله: {ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما} وقوله: {ورحمتي وسعت كل شيء} ونحو ذلك مما وصف به نفسه في كتابه وما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم فإن القول في جميع ذلك من جنس واحد. ومذهب سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفونه بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم في النفي والإثبات. والله سبحانه وتعالى قد نفى عن نفسه مماثلة المخلوقين فقال الله تعالى: {قل هو الله أحد} {الله الصمد} {لم يلد ولم يولد} {ولم يكن له كفوا أحد} فبين أنه لم يكن أحد كفوا له وقال تعالى: {هل تعلم له سميا} فأنكر أن يكون له سمي وقال تعالى: {فلا تجعلوا لله أندادا} وقال تعالى: {فلا تضربوا لله الأمثال} وقال تعالى: {ليس كمثله شيء}. ففيما أخبر به عن نفسه : من تنزيهه عن الكفؤ والسمي والمثل والند وضرب الأمثال له; بيان أن لا مثل له في صفاته ; ولا أفعاله ; فإن التماثل في الصفات والأفعال يتضمن التماثل في الذات فإن الذاتين المختلفتين يمتنع تماثل صفاتهما وأفعالهما إذ تماثل الصفات والأفعال يستلزم تماثل الذوات فإن الصفة تابعة للموصوف بها والفعل أيضا تابع للفاعل; بل هو مما يوصف به الفاعل فإذا كانت الصفتان متماثلتين كان الموصوفان متماثلين حتى إنه يكون بين الصفات من التشابه والاختلاف بحسب ما بين الموصوفين: كالإنسانين كما كانا من نوع واحد فتختلف مقاديرهما وصفاتهما بحسب اختلاف ذاتيهما ويتشابه ذلك بحسب تشابه ذلك. كذلك إذا قيل: بين الإنسان والفرس تشابه من جهة أن هذا حيوان وهذا حيوان واختلاف من جهة أن هذا ناطق وهذا صاهل وغير ذلك من الأمور ; كان بين الصفتين من التشابه والاختلاف بحسب ما بين الذاتين: وذلك أن الذات المجردة عن الصفة لا توجد إلا في الذهن فالذهن يقدر ذاتا مجردة عن الصفة ويقدر وجودا مطلقا لا يتعين وأما الموجودات في أنفسها فلا يمكن فيها وجود ذات مجردة عن كل صفة ولا وجود مطلق لا يتعين ولا يتخصص.
وإذا قال من قال من أهل الإثبات للصفات: " أنا أثبت صفات الله زائدة على ذاته ": فحقيقة ذلك أنا نثبتها زائدة على ما أثبتها النفاة من الذات. فإن النفاة اعتقدوا ثبوت ذات مجردة عن الصفات فقال أهل الإثبات: نحن نقول بإثبات صفات زائدة على ما أثبته هؤلاء. وأما الذات نفسها الموجودة فتلك لا يتصور أن تتحقق بلا صفة أصلا بل هذا بمنزلة من قال: أثبت إنسانا; لا حيوانا ولا ناطقا ولا قائما بنفسه ولا بغيره ولا له قدرة ولا حياة ولا حركة ولا سكون أو نحو ذلك أو قال: أثبت نخلة ليس لها ساق ولا جذع ولا ليف ولا غير ذلك ; فإن هذا يثبت ما لا حقيقة له في الخارج ولا يعقل. ولهذا كان السلف والأئمة يسمون نفاة الصفات " معطلة " لأن حقيقة قولهم تعطيل ذات الله تعالى ; وإن كانوا هم قد لا يعلمون أن قولهم مستلزم للتعطيل ; بل يصفونه بالوصفين المتناقضين فيقولون: هو موجود قديم واجب ; ثم ينفون لوازم وجوده ; فيكون حقيقة قولهم: موجود ليس بموجود حق ليس بحق خالق ليس بخالق فينفون عنه النقيضين: إما تصريحا بنفيهما وإما إمساكا عن الإخبار بواحد منهما. ولهذا كان محققوهم " وهم القرامطة " ينفون عنه النقيضين فلا يقولون: موجود ولا لا موجود ولا حي ولا لا حي ولا عالم ولا لا عالم. قالوا: لأن وصفه بالإثبات تشبيه له بالموجودات ووصفه بالنفي فيه تشبيه له بالمعدومات. فآل بهم إغراقهم في نفي التشبيه إلى أن وصفوه بغاية التعطيل. ثم إنهم لم يخلصوا مما فروا منه بل يلزمهم على قياس قولهم أن يكونوا قد شبهوه بالممتنع الذي هو أخس من الموجود والمعدوم الممكن. ففروا في زعمهم من تشبيهه بالموجودات والمعدومات ووصفوه بصفات الممتنعات التي لا تقبل الوجود بخلاف المعدومات الممكنات. وتشبيهه بالممتنعات شر من تشبيهه بالموجودات والمعدومات الممكنات. وما فر منه هؤلاء الملاحدة ليس بمحذور. فإنه إذا سمي حقا موجودا قائما بنفسه حيا عليما رءوفا رحيما وسمي المخلوق بذلك ; لم يلزم من ذلك أن يكون مماثلا للمخلوق أصلا. ولو كان هذا حقا لكان كل موجود مماثلا لكل موجود ; ولكان كل معدوم مماثلا لكل معدوم. ولكان كل ما ينفى عنه شيء من الصفات مماثلا لكل ما ينفى عنه ذلك الوصف. فإذا قيل: السواد موجود كان على قول هؤلاء قد جعلنا كل موجود مماثلا للسواد. وإذا قلنا: البياض معدوم كنا قد جعلنا كل معدوم مماثلا للبياض. ومعلوم أن هذا في غاية الفساد ويكفي هذا خزيا لحزب الإلحاد. وإذا لم يلزم مثل ذلك في السواد الذي له أمثال بلا ريب ; فإذا قيل في خالق العالم إنه موجود لا معدوم حي لا يموت قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم فمن أين يلزم أن يكون مماثلا لكل موجود ومعدوم وحي وقائم ; ولكل ما ينفى عنه العدم وما ينفى عنه صفة العدم وما ينفى عنه الموت والنوم كأهل الجنة الذين لا ينامون ولا يموتون وذلك أن هذه الأسماء العامة المتواطئة التي تسميها النحاة أسماء الأجناس سواء اتفقت معانيها في محالها أو تفاضلت كالسواد ونحوه ; وسواء سميت مشككة وقيل : إن المشككة نوع من المتواطئة - إما أن تستعمل " مطلقة وعامة " كما إذا قيل الموجود ينقسم إلى واجب وممكن وقديم ومحدث وخالق ومخلوق والعلم ينقسم إلى قديم ومحدث . وإما أن تستعمل " خاصة معينة " كما إذا قيل: وجود زيد وعمرو وعلم زيد وعمرو وذات زيد وعمرو. فإذا استعملت خاصة معينة دلت على ما يختص به المسمى لم تدل على ما يشركه فيه غيره في الخارج ; فإن ما يختص به المسمى لا شركة فيه بينه وبين غيره. فإذا قيل: علم زيد ونزول زيد واستواء زيد ونحو ذلك ; لم يدل هذا إلا على ما يختص به زيد من علم ونزول واستواء ونحو ذلك لم يدل على ما يشركه فيه غيره. لكن لما علمنا أن زيدا نظير عمرو وعلمنا أن علمه نظير علمه ونزوله نظير نزوله واستواءه نظير استوائه فهذا علمناه من جهة القياس والمعقول والاعتبار لا من جهة دلالة اللفظ فإذا كان هذا في صفات المخلوق ;
فذلك في الخالق أولى. فإذا قيل: علم الله وكلام الله ونزوله واستواؤه ووجوده وحياته ونحو ذلك ; لم يدل ذلك على ما يشركه فيه أحد من المخلوقين بطريق الأولى ; ولم يدل ذلك على مماثلة الغير له في ذلك كما دل في زيد وعمرو لأنا هناك علمنا التماثل من جهة الاعتبار والقياس لكون زيد مثل عمرو ; وهنا نعلم أن الله لا مثل له ولا كفو ولا ند ; فلا يجوز أن نفهم من ذلك أن علمه مثل علم غيره ولا كلامه مثل كلام غيره ولا استواءه مثل استواء غيره ولا نزوله مثل نزول غيره ولا حياته مثل حياة غيره. ولهذا كان مذهب السلف والأئمة إثبات الصفات ونفي مماثلتها لصفات المخلوقات. فالله تعالى موصوف بصفات الكمال الذي لا نقص فيه منزه عن صفات النقص مطلقا ومنزه عن أن يماثله غيره في صفات كماله. فهذان المعنيان جمعا التنزيه وقد دل عليهما قوله تعالى: {قل هو الله أحد} {الله الصمد}. فالاسم " الصمد " يتضمن صفات الكمال والاسم " الأحد " يتضمن نفي المثل كما قد بسط الكلام على ذلك في تفسير هذه السورة. فالقول في صفاته كالقول في ذاته والله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ; لكن يفهم من ذلك أن نسبة هذه الصفة إلى موصوفها كنسبة هذه الصفة إلى موصوفها. فعلم الله وكلامه ونزوله واستواؤه هو كما يناسب ذاته ويليق بها كما أن صفة العبد هي كما تناسب ذاته وتليق بها ونسبة صفاته إلى ذاته كنسبة صفات العبد إلى ذاته.

سنأتي الآن الى السؤال، ألا يتعارض نزول الله سبحانه وتعالى الى السماء الدنيا مع اختلاف الليل والنهار وحركة الكواكب؟
والجواب قطعا لا يتعارض نزول الله سبحانه وتعالى مع اختلاف الليل والنهار والوقت وحركة الكواكب، وكيف يتعارض وهو الذي يولج الليل على النهار والنهار على الليل. وكيف يتعارض مع حركة الكواكب كالشمس والقمر وغيرها وهم مسخرات بأمره.

قال تعالى:
{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ(54) –الأعراف}.
وقال:
{إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ(6) يونس}.
وقال في سورة الرعد:
{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ(2) –الرعد}.
وقال أيضا:
{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا(44) –الإسراء}.

وضف إلى ذلك أيضا قانون المد والجذر الذي خلقه الله تعالى وأحكم به الكون، فهذا القانون لا يسري على الله سبحانه وتعالى (والعياذ بالله) بل إن الله هو الذي يمسك بالكون،
وهو القائل سبحانه:
{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا(41) –فاطر}.
وقال في سورة الحج:
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ(65) –الحج}.

إذا وبعد كل هذا يتبين لنا بأن نزول الله سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا هو نزول بلا كيف يليق بجلاله وكماله وجماله العظيم يليق بربوبيته وألوهيته وعظمته لا إله إلا هو يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

قال تعالى:
{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ(27) –إبراهيم}.

سآتي إلى مثال جديد وأنوه إلى أنه مثال خارج إطار حديث النزول ولا علاقة له به إنما هو لتدبر آيات الله وتوضيح بعض الأمور:

مثال:
لو أردت أن أذهب إلى مكان ما أو بلد ما لا على التعين، والسؤال هنا من الذي سيذهب إلى الآخر أنا سأذهب الى المكان أم أن المكان هو الذي سيأتي إلي؟
 بالتأكيد أنا الذي سأتحرك وأذهب سواءً ماشيا أو مستقلا سيارتي وليس المكان الذي سيأتي إلي.
ولكن الله سبحانه وتعالى يأمر المكان أن يأتي إليه لو يشاء، فالله تعالى أمر السماء والأرض أن تأتيا إليه طوعا أو كرها
وهو القائل سبحانه وتعالى:
(11)   ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ
(12)   فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. /فصلت/.

سبحانه وتعالى يحكم ما يريد ويفعل ما يشاء

وإلى ما تبقى من الأسئلة، هل ينزل الله تعالى بذاته أم ينزل أمره ورحمته؟ وهل يخلو العرش منه؟
والجواب أنه سبحانه وتعالى ينزل بنفسه وذاته العلية وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على هذا بإجماع أهل العلم.
ولأنه واحد لا شريك له ولا ند وليس مركب من أجزاء بل هو فرد صمد.
ولا يخلو العرش منه لأن استوائه على العرش ثابت 

وهو القائل سبحانه وتعالى:
{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ(54) –الأعراف}.
{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۖ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ(3) –يونس}.

{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ(2) –الرعد}.

{الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ(5) طه}.
{الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا(59) –الفرقان}.

{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ(4) –السجدة}.

وقال سبحانه:

( 1 )   قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
( 2 )   اللَّهُ الصَّمَدُ
( 3 )   لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ
( 4 )   وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ /الإخلاص/.


ويفعل الله ما يشاء.

إلى هنا أتوقف وأتمني أني قدمت ما ينفع فإن أخطأت فمن نفسي والشيطان 


Share on Google Plus

About Abd ElRahman

لا إله إلا الله محمد رسول الله
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.