دوران الأرض حول نفسها في القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آل بيته وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

في هذا الموضوع سنتكلم عن دوران الأرض حول نفسها في القرآن الكريم وسيكون عنوان موضوعنا
دوران الأرض حول نفسها وامتحان المؤمنين:

بداية أين يثبت القرآن الكريم دوران الأرض حول نفسها في أي آية، وهي في سورة النمل في قوله تعالى:

{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ صُنْعَ الله الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ(88) -النمل}.

أعتقد بأن الآية الكريم واضحة بشكل كبير حيث أن الإنسان إذا نظر الى الجبال يظن بأنها جامدة أي بلا حركة ولكنها في حقيقتها فهي تسير سيرًا حثيثًا كسير السحاب الذي تسيِّره الرياح، ولا نغفل عن قوله تعالى {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا(7) الْجِبَالَ أَوْتَادًا} -النبأ.

ولما كانت الجبال أوتادا مستقرة في الأرض لزم أن يكون مرورها وسيرها بدوران الأرض ذاتها.
حيث لو أننا نظرنا الى الجبال ونحن على الأرض لوجدناها جامدة مستقرة في حين لو صعدنا الى الفضاء وألقينا نظرة على الأرض من الأعلى فإننا بهذه الحالة سنجد الجبال تسير وتجري


وبمعنى آخر وأنت على سطح الأرض خذ نقطة عَلّام وهي الجبل ثم اصعد الى الفضاء وانظر الى هذه النقطة فإنك ستجدها تسير وتمر وهو ليس إثبات لدوران الأرض من كتاب الله تعالى فحسب، بل هي آية من آياته سبحانه كيف جعل الجبال تتحرك وتجري في هذا الكون الهائل حيث أن الجبل وفي كل ثانية أو جزء من الثاني يغير موقعه في هذا الكون بفعل دوران الأرض وتحركها.
 فسبحان الله العظيم.

وحول التفسير الذي أجمع عليه المفسرون القدماء فمعظمهم ذهب إلى أن هذا المشهد سيكون يوم القيامة، وهذا التفسير استطاع المفسرون المعاصرون رده بكل سهولة ويسر بإذن الله تعالى، وسأترجم ردهم قبل أن أورد بعضا من أقوالهم:

الوجه الأول لرد أقوال المفسرين القدماء:
قوله تعالى (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً) فكلمة تحسبها جاءت بمعنى تظنها وفي يوم القيامة لا يوجد ظن وإن وجد فهو حقيقة واقع كقوله تعالى في سورة الكهف (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا(53) -الكهف.
 فالظن يوم القيامة يكون واقعا وليس كما الحال في الدنيا يكون الظن صائبا أو غير صائب فإذا نظرت الى الجبال وظننت بأنها جامد لا تمر أو تتحرك فظنك هنا غير صائب ولا واقع لأن حقيقتها عكس ذلك وهو مرورها وجريانها.


الوجه الثاني:
قوله تعالى (صُنْعَ الله الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) وكما نرى فالآية الكريمة تتحدث عن إتقان صنع الله وفي بداية الآياة كلمة (وترى) وهي استدعاء للمؤنين ليتفكروا في صنع الله المتقن.


والغريب في ذلك أني وجدت بعض المفسرين المعاصرين ممن راح يرد أقول من قال من العلماء بدلالة الآية الكريمة على دوران الأرض، وكأنهم يريدون بذلك العودة الى التفاسير القديمة، يا أخي المفسر في النهاية هو إنسان وليس بمعصوم كما أنه يفسر بناء على ما بين يديه من العلم ويجتهد في ذلك فإما أن يصيب أو يخطئ.

 وفي كل الأحوال وعلى الرغم من أن الآية الكريمة معطوفة على ما قبلها إلا أنها تثبت دوران الأرض حول نفسها، شاء من شاء وأبى من أبى.

وحول تفسير الآية الكريم يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى:
وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ الله الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)

قوله تعالى {تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} [النمل: 88] اي: تظنها ثابتة، وتحكم عليها بعدم الحركة؛ لذلك نسميها الرواسي والأوتاد {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب} [النمل: 88] أي: ليس الأمر كما تظن؛ لأنها
تتحرك وتمر كما يمرّ السحاب، لكنك لا تشعر بهذه الحركة ولا تلاحظها لأنك تتحرك معها بنفس حركتها.
وهَبْ أننا في هذا المجلس، أنتم أمامي وأنا أمامكم، وكان هذا المسجد على رحاية أو عجلة تدور بنا، أيتغير وضعنا وموقعنا بالنسبة لبعضنا؟
إذن: لا تستطيع أن تلاحظ هذه الحركة إلا إذا كنتَ أنت خارج الشيء المتحرك، ألاَ ترى أنك تركب القطار مثلاً ترى أن أعمدة التليفون هي التي تجري وأنت ثابت.
ولأن هذه الظاهرة عجيبة سيقف عندها الخَلْق يزيل الله عنهم هذا العجب، فيقول {صُنْعَ الله الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88] يعني: لا تتعجب، فالمسألة من صُنع الله وهندسته وبديع خَلْقه، واختار هنا من صفاته تعالى: {الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88] يعني: كل خَلْق عنده بحساب دقيق مُتقَن.
البعض فهم الآية على أن مرَّ السحاب سيكون في الآخرة، واستدل بقوله تعالى: {وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش} [القارعة: 5] .
وقد جانبه الصواب لأن معنى {كالعهن المنفوش} [القارعة: 5] أنها ستتفتت وتتناثر، لا أنها تمر، وتسير هذه واحدة، والأخرى أن الكلام هنا مبنيٌّ على الظن {تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} [النمل: 88] وليس في القيامة ظن؛ لأنها إذا قامتْ أحداثها مُتيقنةٌ.
ثم إن السحاب لا يتحرك بذاته، وليس له موتور يُحركِّه، إنما يُحرِّكه الهواء، كذلك الجبال حركتها ليست ذاتيةٌ فيها، فلم نَرَ جبلاَ
تحرَّك من مكانه، فحركة الجبال تابعة لحركة الأرض؛ لأنها أوتاد عليها، فحركة الوتد تابعة للموتود فيه.
لذلك لما تكلم الحق سبحانه وتعالى عن الجبال قال: {وألقى فِي الأرض رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل: 15] .
ولو خُلِقتْ الأرض على هيئة السُّكون ما احتاجتْ لما يُثبِّتها، فلا بُدَّ أنها مخلوقة على هيئة الحركة.
في الماضي وقبل تطور العلم كانوا يعتقدون في المنجِّمين وعلماء الفلك الكفرة أنهم يعلمون الغيب، أما الآن وقد توصَّل العلماء إلى قوانين حركة الأرض وحركة الكواكب الأخرى في المجموعة الشمسية واستطاعوا حساب ذلك كله بدقة مكّنتهم من معرفة ظاهرة الخسوف والكسوف مثلاً ونوع كل منهما ووقته وفعلاً تحدث الظاهرة في نفس الوقت الذي حددوه لا تتخلف.
واستطاعوا بحساب هذه الحركة أنْ يصعدوا إلى سطح القمر، وأن يُطلِقوا مركبات الفضاء ويُسيِّروها بدقة حتى إنَّ إحداها تلتحم بالأخرى في الفضاء الخارجي.
كل هذه الظواهر لو لم تكن مبنية على حقائق مُتيقَّنة لأدتْ إلى نتائج خاطئة وتخلفتْ.
ومن الأدلة التي تثبت صحة ما نميل إليه في معنى حركة الجبال، أن قوله تعالى {صُنْعَ الله الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88] امتنان من الله تعالى بصنعته، والله لا يمتنُّ بصنعته يوم القيامة، إنما الامتنان علينا الآن ونحن في الدنيا.
 //انتهى//.

ويقول الحافظ ابن عاشور رحمه الله تعالى:

وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ الله الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)

الذي قاله جمهور المفسرين : إن الآية حكت حادثاً يحصل يوم ينفخ في الصور فجعلوا قوله { وترى الجبال تحسبها جامدة } عطفاً على { ينفخ في الصور } [ النمل : 87 ] أي ويوم ترى الجبال تحسبها جامدة الخ . . وجعلوا الرؤية بصرية ، ومرّ السحاب تشبيهاً لتنقلها بمرّ السحاب في السرعة ، وجعلوا اختيار التشبيه بمرور السحاب مقصوداً منه إدماج تشبيه حال الجبال حين ذلك المرور بحال السحاب في تخلخل الأجزاء وانتفاشها فيكون من معنى قوله { وتكون الجبال كالعهن المنفوش } [ القارعة : 5 ] ، وجعلوا الخطاب في قوله { ترى } لغير معين ليعم كل من يرى ، وجعلوا معنى هذه الآية في معنى قوله تعالى { ويوم نسير الجبال } [ الكهف : 47 ] . فلما أشكل أن هذه الأحوال تكون قبل يوم الحشر لأن الآيات التي ورد فيها ذكر دك الجبال ونسفها تشير إلى أن ذلك في انتهاء الدنيا عند القارعة وهي النفخة الأولى أو قبيلها ، فأجابوا بأنها تندك حينئذ ثم تسير يوم الحشر لقوله { فقل ينسفها ربي نسفاً } إلى أن قال { يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له } [ طه : 105 108 ] لأن الداعي هو إسرافيل ( وفيه أن للاتباع أحوالاً كثيرة ، وللداعي معاني أيضاً ) .

وقال بعض المفسرين : هذا مما يكون عند النفخة الأولى وكذلك جميع الآيات التي ذكر فيها نسف الجبال ودكها وبسها . وكأنهم لم يجعلوا عطف { وترى الجبال } على { ينفخ في الصور } [ النمل : 87 ] حتى يتسلط عليه عمل لفظ ( يوم ) بل يجعلوه من عطف الجملة على الجملة ، والواو لا تقتضي ترتيب المعطوف بها مع المعطوف عليه ، فهو عطف عبرة على عبرة وإن كانت المذكورة أولى حاصلة ثانياً .

وجعل كلا الفريقين قوله { صنع الله } الخ مراداً به تهويل قدرة الله تعالى وأن النفخ في الصور وتسيير الجبال من عجيب قدرته ، فكأنهم تأولوا الصنع بمعنى مطلق الفعل من غير التزام ما في مادة صنع من معنى التركيب والإيجاد ، فإن الإتقان إجادة ، والهدم لا يحتاج إلى إتقان .

وقال الماوردي : قيل هذا مثل ضربه الله ، أي وليس بخبر . وفيما ضرب فيه المثل ثلاثة أقوال :

أحدهما : أنه مثل للدنيا يظن الناظر إليها أنها ثابتة كالجبال وهي آخذة بحظها من الزوال كالسحاب ، قاله سهل بن عبد الله التستري .

الثاني : أنه مثل للإيمان تحسبه ثابتاً في القلب ، وعمله صاعد إلى السماء .

الثالث : إنه مثل للنفس عند خروج الروح ، والروح تسير إلى العرش .

وكأنهم أرادوا بالتمثيل التشبيه والاستعارة .

ولا يخفى على الناقد البصير بعد هذه التأويلات الثلاثة لأنه إن كان { الجبال } مشبهاً بها فهذه الحالة غير ثابتة لها حتى تكون هي وجه الشبه وإن كان لفظ { الجبال } مستعاراً لشيء وكان مر السحاب كذلك كان المستعار له غير مصرح به ولا ضمنياً .

وليس في كلام المفسرين شفاء لبيان اختصاص هذه الآية بأن الرائي يحسب الجبال جامدة ، ولا بيان وجه تشبيه سيرها بسير السحاب ، ولا توجيه التذليل بقوله تعالى { صنع الله الذي أتقن كل شيء } فلذلك كان لهذه الآية وضع دقيق ، ومعنى بالتأمل خليق ، فوضعها أنها وقعت موقع الجملة المعترضة بين المجمل وبيانه من قوله { ففزع من في السموات ومن في الأرض } إلى قوله

{ من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ ءامنون } [ النمل : 87 89 ] بأن يكون من تخلل دليل على دقيق صنع الله تعالى في أثناء الإنذار والوعيد إدماجاً وجمعاً بين استدعاء للنظر ، وبين الزواجر والنذر ، كما صنع في جملة { ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه } [ النمل : 86 ] الآية .

أو هي معطوفة على جملة { ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه } [ النمل : 86 ] الآية ، وجملة { ويوم ينفخ في الصور } [ النمل : 87 ] معترضة بينهما لمناسبة ما في الجملة المعطوف عليها من الإيماء إلى تمثيل الحياة بعد الموت ، ولكن هذا استدعاء لأهل العلم والحكمة لتتوجه أنظارهم إلى ما في هذا الكون من دقائق الحكمة وبديع الصنعة . وهذا من العلم الذي أودع في القرآن ليكون معجزة من الجانب العلمي يدركها أهل العلم ، كما كان معجزة للبلغاء من جانبه النظمي كما قدمناه في الجهة الثانية من المقدمة العاشرة .

فإن الناس كانوا يحسبون أن الشمس تدور حول الأرض فينشأ من دورانها نظام الليل والنهار ، ويحسبون الأرض ساكنة . واهتدى بعض علماء اليونان إلى أن الأرض هي التي تدور حول الشمس في كل يوم وليلة دورة تتكون منها ظلمة نصف الكرة الأرضي تقريباً وضياء النصف الآخر وذلك ما يعبر عنه بالليل والنهار ، ولكنها كانت نظرية مرموقة بالنقد وإنما كان الدال عليها قاعدة أن الجرم الأصغر أولى بالتحرك حول الجرم الأكبر المرتبط بسيره وهي علة إقناعية لأن الحركة مختلفة المدارات فلا مانع من أن يكون المتحرك الأصغر حول الأكبر في رأي العين وضبط الحساب وما تحققت هذه النظرية إلا في القرن السابع عشر بواسطة الرياضي ( غاليلي ) الإيطالي .

والقرآن يدمج في ضمن دلائله الجمة وعقب دليل تكوين النور والظملة دليلاً رمز إليه رمزاً ، فلم يتناوله المفسرون أو تسمع لهم ركزاً .

وإنما ناط دلالة تحرك الأرض بتحرك الجبال منها لأن الجبال هي الأجزاء الناتئة من الكرة الأرضية فظهور تحرك ظلالها متناقصة قبل الزوال إلى منتهى نقصها ، ثم آخذة في الزيادة بعد الزوال . ومشاهدة تحرك تلك الظلال تحركاً يحاكي دبيب النمل أشد وضوحاً للراصد ، وكذلك ظهور تحرك قممها أمام قرص الشمس في الصباح والماء أظهر مع كون الشمس ثابتة في مقرها بحسب أرصاد البروج والأنواء .

ولهذا الاعتبار غير أسلوب الاستدلال الذي في قوله تعالى { ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه } [ النمل : 86 ] فجعل هنا بطريق الخطاب { وترى الجبال } . والخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم تعليماً له لمعنى يدرك هو كنهه ولذلك خص الخطاب به ولم يعمم كما عمم قوله

{ ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه } [ النمل : 86 ] في هذا الخطاب ، وادخاراً لعلماء أمته الذين يأتون في وقت ظهور هذه الحقيقة الدقيقة . فالنبي صلى الله عليه وسلم أطلعه الله على هذا السر العجيب في نظام الأرض كما أطلع إبراهيم عليه السلام على كيفية إحياء الموتى ، اختص الله رسوله صلى الله عليه وسلم بعلم ذلك في وقته وائتمنه على علمه بهذا السر العجيب في قرآنه ولم يأمره بتبليغه إذ لا يتعلق بعلمه للناس مصلحة حنيئذ حتى إذا كشف العلم عنه من نقابه وجد أهل القرآن ذلك حقاً في كتابه فاستلوا سيف الحجة به وكان في قرابة .

وهذا التأويل للآية هو الذي يساعد قوله { وترى الجبال } المقتضي أن الرائي يراها في هيئة الساكنة ، وقوله { تحسبها جامدة } إذ هذا التأويل بمعنى الجامدة هو الذي يناسب حالة الجبال إذ لا تكون الجبال ذائبة .

وقوله { وهي تمرّ } الذي هو بمعنى السير { مرّ السحاب } أي مرا واضحاً لكنه لا يبين من أول وهلة . وقوله بعد ذلك كله { صنع الله الذي أتقن كل شيء } المقتضي أنه اعتبار بحالة نظامها المألوف لا بحالة انخرام النظام لأن خرم النظام لا يناسب وصفه بالصنع المتقن ولكنه يوصف بالأمر العظيم أو نحو ذلك من أحوال الآخرة التي لا تدخل تحت التصور .

و { مر السحاب } مصدر مبين لنوع مرور الجبال ، أي مروراً تنتقل به من جهة إلى جهة مع أن الرائي يخالها ثابتة في مكانها كما يخال ناظر السحاب الذي يعم الأفق أنه مستقر وهو ينتقل من صوب إلى صوب ويمطر من مكان إلى آخر فلا يشعر به الناظر إلا وقد غاب عنه . وبهذا تعلم أن المر غير السير الذي في قوله تعالى { ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة } [ الكهف : 47 ] فإن ذلك في وقت اختلال نظام العالم الأرضي .

وانتصب قوله { صنع الله } على المصدرية مؤكداً لمضمون جملة { تمر مر السحاب } بتقدير : صنع الله ذلك صنعاً . وهذا تمجيد لهذا النظام العجيب إذ تتحرك الأجسام العظيمة مسافات شاسعة والناس يحسبونها قارة ثابتة وهي تتحرك بهم ولا يشعرون . :

والجامدة : الساكنة ، قاله ابن عباس . وفي «الكشاف» : الجامدة من جمد في مكانه إذا لم يبرح ، يعني أنه جمود مجازي ، كثر استعمال هذا المجاز حتى ساوى الحقيقة والصنع . قال الراغب : إجادة الفعل فكل صنع فعل وليس كل فعل صنعاً قال تعالى { ويصنع الفلك } [ هود : 38 ] { وعلمناه صنعة لبوس لكم } [ الأنبياء : 80 ] يقال للحاذق المجيد : صنع ، وللحاذقة المجيدة : صنّاع . اه . وقصر في تفسير الصنع الجوهري وصاحب «اللسان» وصاحب «القاموس» واستدركه في «تاج العروس» .

قلت : وأما قولهم : بئس ما صنعت ، فهو على معنى التخطئة لمن ظن أنه فعل فعلاً .

حسناً ولم يتفطن لقبحه . فالصنع إذا أطلق انصرف للعمل الجيد النافع وإذا أريد غير ذلك وجب تقييده على أنه قليل أو تهكم أو مشاكلة .

واعلم أن الصنع يطلق على العمل المتقن في الخير أو الشر قال تعالى { تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر } [ طه : 69 ] ، ووصف الله ب { الذي أتقن كل شيء } تعميم قصد به التذييل ، أي ما هذا الصنع العجيب إلا مماثلاً لأمثاله من الصنائع الإلهية الدقيقة الصنع . وهذا يقتضي أن تسيير الجبال نظام متقن ، وأنه من نوع التكوين والخلق واستدامة النظام وليس من نوع الخرم والتفكيك .

وجملة { إنه خبير بما تفعلون } تذييل أو اعتراض في آخر الكلام للتذكير والوعظ والتحذير ، عقب قوله { الذي أتقن كل شيء } لأن إتقان الصنع أثر من آثار سعة العلم فالذي بعلمه أتقن كل شيء هو خبير بما يفعل الخلق فليحذروا أن يخالفوا عن أمره .

ثم جيء لتفصيل هذا بقوله { من جاء بالحسنة } [ النمل : 89 ] الآية فكان من التخلص والعود إلى ما يحصل يوم ينفخ في الصور ، ومن جعلوا أمر الجبال من أحداث يوم الحشر جعلوا جملة { إنه خبير بما تفعلون } استئنافاً بيانياً لجواب سائل : فماذا يكون بعد النفخ والفزع والحضور بين يدي الله وتسيير الجبال ، فأجيب جواباً إجمالياً بأن الله عليم بأفعال الناس ثم فصل بقوله { من جاء بالحسنة فله خير منها . . } [ النمل : 89 ] الآية .

قرأ الجمهور { بما تفعلون } بتاء الخطاب . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو { يفعلون } بياء الغائبين عائداً ضميره على { من في السماوات ومن في الأرض } [ النمل : 87 ] ..../انتهى/.
--------

وصلنا الى الحكمة:

( 83 )   وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ
( 84 )   حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
( 85 )   وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ
( 86 )   أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
( 87 )   وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ الله ۚ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ
( 88 )   وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ صُنْعَ الله الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ
           //سورة النمل//.


ويمكن للأخ القارئ أن يلاحظ في الآيتين رقم (83) و (84) وجود تهديد ووعيد بالعذاب لكل من كذب بآيات الله سبحانه وتعالى بالإضافة لوجود شرط أيضا، فبدلا من أن يذهب الكافر للتكذيب بآيات الله سبحانه كان من الأجدر له بأن يدرسها ويتحرى العلم والمعرفة حولها.

ثم تأتينا الآية رقم (86) وهي آية بينة والتي قال فيها المولى سبحانه وتعالى (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) بمعنى إن في تصريفهما لَدلالة لقوم يؤمنون بكمال قدرة الله ووحدانيَّته وعظيم نعمه. أعطاك الله آيات محكمة وثابتة ولا ريبة فيها أو التباس ويمكن للأخ القارئ أن يلاحظ وجود الليل والنهار كيف جاء متناغما ومنسجما مع الآية (88) والتي فيها حركة الجبال.

والآن وبعد أن أعطاك الله آية محكمة، هل أنت مستعد لامتحان صغير وهو الآية رقم (88) هذا ما تعرض له بعض السابقون حيث أن الآية الكريمة فيها جريان ومرور الجبال وهم لا يملكون أدنى فكرة علمية عن دوران الأرض حول نفسها حيث كان المفهوم المستقر في العصور السابقة أن الأرض محور ثابت لا يتحرك.

أما نحن وبفضل الله تعالى وبعد أن تكشفت لنا الحقائق العلمية أصبحت الآية الكريمة معجزة علمية بليغة تبين لنا بأن  الأرض تدور والجبال تسير في هذا الكون الشاسع.

قال تعالى:
{لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ(40) -يس}.

وكل في فلك يسبحون بما فيهم الأرض.
وننوه إلى أن محور موضعنا هو دوران الأرض وسنتكلم عن كروية الأرض في موضوع لاحق بإذن الله تعالى.



والى هنا نكتفي ونختم بقوله تعالى من سورة النمل:

( 89 )   مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ
( 90 وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
( 91 )   إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
( 92 )   وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ
( 93 وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ




Share on Google Plus

About Abd ElRahman

لا إله إلا الله محمد رسول الله
    Blogger Comment
    Facebook Comment

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.